د. آمال موسى
أستاذة جامعية مختصة في علم الاجتماع، وشاعرة في رصيدها سبع مجموعات شعرية، ومتحصلة على جوائز مرموقة عدة. كما أن لها إصدارات في البحث الاجتماعي حول سوسيولوجيا الدين والتدين وظاهرة الإسلام السياسي. وهي حالياً تشغل منصب وزيرة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السن في الحكومة التونسية.
TT

الشجاعة هي الحل

إنّ الشجاعة ليست ترفاً ولا خصلة وميزة فحسب. بل هي في لحظات معينة من تاريخ الفرد أو الجماعة أو المجتمع أو حتى الإنسانية جمعاء ضرورة قصوى وحل اضطراري من أجل البقاء.
طبعاً البقاء ليس دائماً رهين تلبية حاجات الغرائز، وإنّما هو في عالم الإنسان يعني البقاء بالمعنى الرمزي والمعنوي.
سأدخل في الموضوع الموجع مباشرة حتى دونما حاجة إلى تخدير كما يفعل الجراح: اعتراف الولايات المتحدة بالقدس عاصمة لإسرائيل وهو لا يساعد النخب السياسية والفكرية التي آمنت بنهج الواقعية والتعقل في معالجة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وقبلت بحدود 67.
نعم، أولى خطوات الشجاعة، حسب تقديري، تقتضي الاعتراف بأن القرار قدم ذريعة على طبق من ذهب للجماعات الإرهابية والأخرى التكفيرية. بمعنى آخر: قام بإضعاف أصحاب خطاب التعقل والرهان على المفاوضات من أجل السلام. بل إنّه وهذا الأهم ضاعف من الغضب ضد إسرائيل، وقام بتأجيج فكرة التصادم.
لو رضخنا لفكرة أن ذلك القرار ذكي جداً، ولا يهدف إلى الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل فقط، وأنه يستبطن مصيدة وفخاً لأعداء إسرائيل كي يتجمعوا ويتكاتفوا ويتقاربوا وفق تقاطع المصالح، ومن ثمة يكون القضاء عليهم دفعة واحدة، وفي أقل ما يمكن من وقت، فإن حتى هذه القراءة ليست في مصلحة الدول العربية والإسلامية والأوروبية والغربية بشكل عام، وذلك باعتبار أن ذلك سيخلق فوضى، أي أننا أمام تكتيك لن تكون خسائره قليلة.
في كتابه حول صدام الحضارات يقول صمويل هنتنغتون إن الحروب القادمة ستكون دينية ثقافية، وإن الحضارة الإسلامية هي حضارة تحدٍ؛ وكأن الرئيس دونالد ترمب أراد أن يختبر عمق تحدي الحضارة الإسلامية.
ولكن مع ذلك لا حل غير الشجاعة، وتصبح الشجاعة مطلباً مضاعفاً في هذه اللحظة التي نعاني فيها من الانقسامات والتوترات والحروب الأهلية.
يبدو لي أنه من الخطأ السماح لمحور الممانعة والمقاطعة باستثمار اعتراف الولايات المتحدة لصالح شعبيتها ومشروعها. ومن ثمة فإن الفطنة تحتم على جامعة الدول العربية تجاوز التنديد والاستنكار إلى ما هو أبعد وأهم من ذلك. لا بد من موقف سياسي يجعل دول الرهان على المفاوضات والتعقل والتعايش تربح بدل أن تخسر.
لا حل غير الشجاعة كي يتم سحب البساط من تحت إيران وجماعات المتطرفة والإرهاب.
فلنجرب الآن ألا نخسر القضية وشعوبنا، ونربح ما خسرناه في مفاوضات السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
منذ أسابيع تنفسنا الصعداء بفضل التقارب الذي حصل بين «فتح» و«حماس»، وكان الرهان على هذه المصالحة كبيراً، ولكن ها هي الولايات المتحدة الأميركية تفي بوعدها لإسرائيل في لحظة دولية سياسية، لتأجج ضدها الغضب.
رغم الصدمة لا معنى للشلل والجمود الآن، بل يجب ومن المهم الاستفادة سياسياً ودبلوماسياً من المواقف الأوروبية الرافضة لموقف الولايات المتحدة أي توظيف كل ما يخدم القضية الفلسطينية
نعم.. كان الحديث عن القضية الفلسطينية بشكل مركب، وإذا بنا ننتقل إلى قضية القدس تحديداً، وبشكل خاص جداً.
باختصار: لا حل غير شجاعة الرفض السياسي مع اعتماد استراتيجية اتصال وإعلام ذكية وفعالة، ولن يكون ذلك إلا بخبر يتضمن موقفاً سياسياً عربياً شريفاً كي يؤثر فعلاً في شعوبنا وينقذها من جماعات الإرهاب المتربصة بشعوبنا وبأصوات العقل والحوار والتفاوض العقلاني الواقعي مع الخصم.
الشجاعة هي الحل، ويكفي أن نتأمل جيداً شجاعة الرئيس ترمب حتى ندرك أن لنا كل موارد الشجاعة. فمن يدري؟! لعلنا نحتاج إلى هكذا قرار حتى نراجع رهاناتنا واستراتيجياتنا.