«اجتياح رفح»: ما السيناريوهات المصرية للتعامل مع المخطط الإسرائيلي؟

وسط تحذيرات متكررة من القاهرة وتأكيدات في تل أبيب باستمرار عمليتها

نازحون فلسطينيون يحاولون العودة إلى شمال قطاع غزة (أ.ف.ب)
نازحون فلسطينيون يحاولون العودة إلى شمال قطاع غزة (أ.ف.ب)
TT

«اجتياح رفح»: ما السيناريوهات المصرية للتعامل مع المخطط الإسرائيلي؟

نازحون فلسطينيون يحاولون العودة إلى شمال قطاع غزة (أ.ف.ب)
نازحون فلسطينيون يحاولون العودة إلى شمال قطاع غزة (أ.ف.ب)

جددت العملية العسكرية «المحدودة» التي نفذها الجيش الإسرائيلي في رفح الفلسطينية، أخيراً، الحديث عن السيناريوهات المصرية للتعامل مع المخطط الإسرائيلي حال «اجتياح كامل لرفح»، في ظل تحذيرات مصرية متكررة بشأن «تداعيات اجتياح المدينة على الفلسطينيين»، وتأكيدات إسرائيلية بـ«استمرار العملية».

ويكرر رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، تأكيده أنه «لا مفر من الدخول إلى رفح لتحقيق هدف القضاء على (حماس)»، فيما لا تزال إسرائيل تصف العمليات التي تنفذها في رفح منذ الاثنين الماضي بأنها «محدودة»، وتستهدف مواقع محددة، وفق بيانات رسمية صادرة من مكتب نتنياهو.

وسيطرت دبابات إسرائيلية، الجمعة، على الطرق الرئيسية التي تفصل بين النصفين الشرقي والغربي لرفح بجنوب قطاع غزة، مما أدى فعلياً إلى تطويق كامل للجانب الشرقي للمدينة. وأفاد موقع «أكسيوس»، الجمعة، نقلاً عن مصدرين لم يحددهما، أن «التوسع في رفح لم يتجاوز الخط الأحمر الذي وضعه الرئيس الأميركي جو بايدن»، بينما قال مصدر ثالث إن «توسيع العملية يمكن عدُّه تجاوزاً للخط الذي حدده بايدن، في وقت علق فيه إرسال بعض المساعدات العسكرية الأميركية مؤقتاً».

جنود إسرائيليون يعتقلون فلسطينياً خلال مداهمة في قرية دير الغصون بالضفة الغربية (أ.ب)

وحذرت مصر كثيراً من مخاطر أي عملية عسكرية إسرائيلية برفح الفلسطينية جنوب قطاع غزة، لما ينطوي عليه هذا العمل التصعيدي من «مخاطر إنسانية بالغة تهدد أكثر من مليون فلسطيني موجودون في تلك المنطقة».

وكرر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي تحذيره من «العواقب الإنسانية الهائلة للعمليات العسكرية الإسرائيلية في رفح الفلسطينية»، مؤكداً خلال اتصال هاتفي مع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، مساء الخميس، أن هذه العمليات «تمثل عائقاً خطيراً أمام انتظام عمليات دخول المساعدات الإنسانية والإغاثية، وانتظام عمليات خروج الجرحى والمرضى لتلقي العلاج».

ووفق رئيس هيئة الاستطلاع الأسبق بالجيش المصري، الخبير الاستراتيجي، اللواء نصر سالم، فإن «مصر ستعمل في إطار الخيارات الدبلوماسية حال اجتياح رفح»، مشيراً في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إلى «محدودية الخيارات المصرية في التعامل مع الموقف الإسرائيلي، خاصة في ضوء حرص القاهرة على إنفاذ المساعدات إلى قطاع غزة، ولعب دور الوسيط في المفاوضات بين الجانبين للوصول إلى هدنة في قطاع غزة».

مبنى تضرَّر خلال هجوم إسرائيلي على مخيم نور شمس قرب طولكرم يناير الماضي (أ.ف.ب)

ورأى القنصل المصري الأسبق في تل أبيب، السفير رفعت الأنصاري، أن «كافة الخيارات مفتوحة باستثناء المواجهة العسكرية»، مؤكداً لـ«الشرق الأوسط» أن «ما يحدث حتى الآن من إسرائيل لا يمثل أي خروقات (جوهرية) لمعاهدة (السلام) الموقعة بين البلدين»، مشيراً إلى أن «الولايات المتحدة سوف تلعب دوراً مهماً في احتواء أي تصعيد محتمل».

الأنصاري أوضح أن «الموقف الإسرائيلي يضع في اعتباره جميع التحذيرات المصرية في هذا الشأن، بما فيها ما حددته القاهرة بأن (اجتياح رفح) يهدد الأمن القومي»، لافتاً إلى أن «تنفيذ عمليات اجتياح محدودة من قبل تل أبيب في رفح الفلسطينية بمثابة استجابة إسرائيلية واضحة للمخاوف المصرية، لا سيما مع تحرك الفلسطينيين نحو خان يونس ووسط غزة وليس تجاه سيناء المصرية».

أيضاً قال الخبير المصري في الشؤون الإسرائيلية بمركز «الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية»، الدكتور سعيد عكاشة، إن الرفض المصري القاطع لتهجير الفلسطينيين وإخراجهم من أراضيهم «أمر لم ولن تتنازل عنه مصر»، لافتاً إلى أن «مصر قد تلجأ حال إضرار إسرائيل بالأمن القومي المصري إلى الولايات المتحدة بوصفها ضامناً لاتفاقية السلام، أو تقوم بتعليق العمل بمعاهدة (السلام) حال حدوث (اجتياح كامل لرفح)». لكن عكاشة أوضح لـ«الشرق الأوسط» أن «إسرائيل مهتمة بالحفاظ على اتفاقية (السلام) مع مصر، ورغم الأوضاع على الشريط الحدودي، فلا تزال تل أبيب تضع السلام مع القاهرة في أولوياتها، الأمر الذي سيدفع تل أبيب لمقاربة، حال التمسك باقتحام رفح الفلسطينية، من خلال عمليات محدودة بكل حي في المدينة بشكل منفرد، وهو ما يعني استمرار الحرب لفترة طويلة».

وكان المتحدث باسم البيت الأبيض للأمن القومي، جون كيربي، قد أكد، الخميس، أن «قيام إسرائيل بعملية كبرى في رفح لن يحقق هدف واشنطن وتل أبيب إلحاق الهزيمة بحركة (حماس)»، مشيراً إلى أن هناك طرقاً أفضل الآن لملاحقة قادة الحركة بدلاً من تنفيذ عملية «محفوفة بمخاطر كبيرة على المدنيين».

مجموعة من النازحين الفلسطينيين يحاولون العودة إلى شمال قطاع غزة (رويترز)

في السياق، أشار قنصل مصر الأسبق في تل أبيب إلى أن تكرار اللقاءات والتنسيقات الأمنية والعسكرية بين المسؤولين الإسرائيليين ونظرائهم المصريين، «يعكس الالتزام الإسرائيلي بجميع التعهدات الموقعة مع مصر»، لافتاً إلى أنه «حتى في حال سيطرة إسرائيل على (محور فيلادلفيا) بشكل كامل، فإن الوضع سيظل مستقراً».

وعلى مدار الأشهر الماضية، كان «محور فيلادلفيا» محور تصريحات إسرائيلية تستهدف السيطرة عليه، قوبلت بردود مصرية حادة «ترفض أي وجود إسرائيلي على امتداد المحور الحدودي الذي يبلغ طوله 14 كيلومتراً».

وبينما يلفت عكاشة إلى أن التحركات الإسرائيلية في رفح الفلسطينية ما دامت لم تتسبب في أضرار داخل الأراضي المصرية، فإن «القاهرة سوف تواصل العمل بالمسار الدبلوماسي». أشار سالم إلى أن التصعيد الدبلوماسي والحديث عن تعليق العمل باتفاقية «كامب ديفيد»، «أمر سيضر بالخيارات الدبلوماسية التي تقوم بها مصر لصالح الفلسطينيين، وسيكون بمثابة فرصة تستغلها إسرائيل، الأمر الذي سيكون له مردود سلبي على ما تحقق جهود من دبلوماسية في الفترة الماضية».


مقالات ذات صلة

«هدنة غزة»: «المناطق العازلة» تُعمق مخاوف الإخفاق

تحليل إخباري فلسطينيان يتفقدان آثار الغارات الإسرائيلية على حي الزيتون بمدينة غزة (أ.ف.ب)

«هدنة غزة»: «المناطق العازلة» تُعمق مخاوف الإخفاق

حديث إسرائيلي رسمي عن إنشاء «مناطق عازلة» في قطاع غزة، أثار تساؤلات بشأن مدى تأثيراتها على اتفاق الهدنة المحتمل.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
المشرق العربي تسبب القصف الإسرائيلي على غزة في استشهاد أكثر من 45 ألف فلسطيني أكثر من نصفهم نساء وأطفال (رويترز)

تجمدوا حتى الموت... البرد يودي بحياة 3 أطفال في غزة

توفي 3 أطفال فلسطينيين في الساعات الـ48 الماضية بسبب البرد الشديد، حيث قال الأطباء إنهم تجمدوا حتى الموت أثناء وجودهم في مخيمات غزة.

«الشرق الأوسط» (غزة)
المشرق العربي جندي إسرائيلي يدخل نفقاً بُني لدعم المحتجزين ويرمز إلى أنفاق «حماس» خلال تجمع جماهيري في تل أبيب (رويترز)

إسرائيل و«حماس» تتبادلان اتهامات «عرقلة صفقة غزة»

بدَّدت إسرائيل وحركة «حماس»، أمس الأربعاء، أجواء التفاؤل بقرب عقد صفقة في قطاع غزة، تشمل هدنة مؤقتة وتبادلاً للأسرى، وتراشقتا بالاتهامات حول مسؤولية عرقلة.

كفاح زبون (رام الله)
شمال افريقيا أشخاص يتفقدون موقع القصف الإسرائيلي على خيام تؤوي فلسطينيين نازحين من بيت لاهيا (أ.ف.ب)

​«هدنة غزة»: «جمود» يدفع المفاوضات إلى «مصير غامض»

مغادرة الوفد الإسرائيلي الدوحة للتشاور بشأن اتفاق وقف إطلاق النار بقطاع غزة فتح تكهنات بشأن «مستقبل مسار الجمود الحالي» في ظل طلب الوسطاء «التعاون»

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
المشرق العربي جانب من قداس منتصف الليل في بيت لحم (إ.ب.أ)

الحرب على غزة ودمارها الموضوع الرئيسي بقداس منتصف الليل في بيت لحم

خيَّمت الحرب المدمرة في قطاع غزة على قداس منتصف الليل في بيت لحم الذي ترأسه بطريرك القدس للاتين الكاردينال بييرباتيستا بيتسابالا.

«الشرق الأوسط» (بيت لحم)

نائب حمدوك يؤكد تمسكهم بتشكيل حكومة «موازية»

اجتماع سابق للهيئة القيادية لتنسيقية القوى الديمقراطية المدنية السودانية «تقدم» (فيسبوك)
اجتماع سابق للهيئة القيادية لتنسيقية القوى الديمقراطية المدنية السودانية «تقدم» (فيسبوك)
TT

نائب حمدوك يؤكد تمسكهم بتشكيل حكومة «موازية»

اجتماع سابق للهيئة القيادية لتنسيقية القوى الديمقراطية المدنية السودانية «تقدم» (فيسبوك)
اجتماع سابق للهيئة القيادية لتنسيقية القوى الديمقراطية المدنية السودانية «تقدم» (فيسبوك)

أعلن نائب رئيس تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية «تقدم»، الهادي إدريس، تمسكه بتشكيل «حكومة مدنية» في السودان؛ لكي تنتزع الشرعية من الحكومة التي تتخذ من بورتسودان عاصمة مؤقتة التي عيّنها قائد الجيش الفريق عبد الفتاح البرهان. وأوضح إدريس أن الغرض من الحكومة المقترحة هو قطع الطريق «أمام خطط أنصار نظام الإسلاميين (النظام البائد بقيادة الرئيس المعزول عمر البشير) الرامية لتقسيم البلاد، وأيضاً لعدم ترك صوت السودان للجبهة الإسلامية لتتحدث باسمه، وأخيراً لإجبار الطرف الآخر (الجيش) على القبول بمفاوضات لوقف الحرب». وأشار إدريس في الوقت ذاته، إلى تمسكه بوحدة الصف المدني؛ لأن تحالف «تقدم» يعدّ أعظم إنجاز للمدنيين منذ الانقلاب على حكومة الثورة المدنية في أكتوب (تشرين الأول) 2021.

وقال إدريس، وهو عضو سابق في مجلس السيادة قبل أن يقيله البرهان بعد اندلاع الحرب في أبريل (نيسان) 2023، إنهم ماضون في تشكيل الحكومة، وإن القرار بتشكيلها لا رجعة فيه، موضحاً أن «فكرة نزع الشرعية وتكوين حكومة فكرة قديمة؛ لأن حكومة الثورة هي الحكومة الشرعية، وليس حكومة الانقلاب»، وانتقد ما أسماه تلكؤ القوى المدنية في تشكيل الحكومة بقوله إن «القوى المدنية لم تكن تملك الشجاعة الكافية لملء المقعد الشاغر».

سلطة شرعية

البرهان يخاطب مؤتمراً اقتصادياً في مدينة بورتسودان (الجيش السوداني)

وأكد إدريس على أهمية تكوين سلطة شرعية لتمثيل الشعب السوداني، بقوله: «مجرد الحديث عن هذه الخطوة أحدث إرباكاً للمشهد السوداني، باعتبارها الوسيلة الوحيدة المشروعة لاسترداد الشرعية من حملة السلاح». وشدد على أنهم لن يتخلون عن تشكيل الحكومة إلاّ إذا قرر طرفا الحرب الذهاب إلى المفاوضات لإنهاء القتال.

وجرت مشاورات مطولة الأسابيع الماضية في العاصمة الكينية نيروبي بين قوى سياسية والجبهة الثورية وشخصيات من تحالف «تقدم» ومن خارجه، بحثت تشكيل «حكومة سلام» على الأرض داخل السودان، لكن الهادي نفى بلوغ المفاوضات مرحلة تداول أسماء المرشحين للحكومة المراد تشكيلها. وأكد الهادي على التقائهم عدداً من قادة «قوات الدعم السريع»، وأجروا معهم مشاورات وأثنوهم عن تشكيل حكومة تابعة حصرياً لـ«قوات الدعم سريع»، وحصلوا منهم على تعهدات بتوفير الحماية والأمن للحكومة المزمعة حال تكوينها. وتابع: «الحكومة التي نسعى لتشكيلها ليست حكومة (قوات الدعم السريع)؛ لأن هذه القوات لديها إدارتها المدنية».

وشهد مؤتمر «تقدم» التأسيسي الذي عُقد في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا في مايو (أيار) الماضي، تداول فكرة تشكيل حكومة موازية لحكومة بورتسودان التي يترأسها البرهان، لكن المقترح لم يحظ بالقبول الكافي، ثم أعيد طرحه مجدداً في اجتماع الهيئة القيادية لـ«تقدم» في مدينة عنتيبي الأوغندية مطلع ديسمبر (كانون الأول) الحالي.

تباين المواقف

حمدوك رئيس تنسيقية «تقدم» (فيسبوك)

وإزاء تباين المواقف داخل التحالف تقرر إحالة الخلاف لآلية سياسية تم تكوينها مؤخراً. وأكد إدريس على بروز تباينات جديدة في اجتماع «تقدم» الأخير حول فكرة نزع الشرعية من حكومة بورتسودان، قائلاً إن «البرهان لا يملك شرعية، والعالم يتعامل معه باعتباره سلطة أمر واقع؛ لذلك لن نترك له صوت الشعب ليتحدث باسمه، ونزع الشرعية منه يتطلب استرداد شرعية رئيس الوزراء المدني عبد الله حمدوك الذي عيَّنته الثورة التي أسقطت نظام البشير في عام 2019».

وأبلغ إدريس الصحافيين أن ثلاث قضايا رئيسية، هي - تشكيل الحكومة، وتكوين الجبهة المدنية، واجتماع المائدة المستديرة - حدثت تباينات بشأنها في اجتماع «تقدم» أحيلت إلى الآلية السياسية التي تم تشكيلها أخيراً برئاسة حمدوك، للتوافق عليها والخروج بمواقف مشتركة. وأضاف: «بالنسبة لنا وحدة تحالف (تقدم) مهمة؛ لأنك لا تستطيع التحدث عن جبهة مدنية أوسع ما لم تحافظ على (تقدم)، وإننا بصفتنا جبهة ثورية لن نكون سبباً في تقسيم هذا التحالف المدني الضخم، فنحن مؤسسون له».

وقال إن اجتماع عنتيبي كان أساساً لبحث جدول قضية نزع الشرعية من حكومة بورتسودان، وتوصلنا خلاله إلى ضرورة تكوين حكومة موازية، لكن الخلافات تراوحت بين من يطالبون بتشكيل حكومة مصغرة مرجعيتها الوثيقة الدستورية لعام 2019 وهياكل الحكم للفترة الانتقالية، وأن يكون أعضاء مجلس السيادة السابقين ورئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك في وضع شبيه بحكومة منفى، للتحدث باسم الشعب السوداني، بينما رأى آخرون ضرورة التأسيس لسلطة جديدة داخل السودان وبمرجعية سياسية جديدة.

ومع تأكيده على وجود تيار يرفض فكرة تشكيل حكومة موازية خوفاً من تقسيم البلاد، إلاّ أن إدريس كشف عن تمسك غالبية أعضاء «الجبهة الثورية» ورؤساء وقيادات أحزاب داخل «تقدم» بخيار تشكيل الحكومة، إضافة إلى مجموعات مترددة. وأرجع ذلك إلى ما أسماه «ابتزاز الخطاب الدعائي للإسلاميين»، قائلاً: «نحن مع خيار تشكيل الحكومة، ونعتبرها خطوة مهمة لوقف المشروع الإخواني الهادف إلى تقسيم السودان».