«هدنة غزة»: «المناطق العازلة» تُعمق مخاوف الإخفاق

وسط دعوات لإبرام «الصفقة» أبرزها من الحاخام الأكبر لإسرائيل

فلسطينيان يتفقدان آثار الغارات الإسرائيلية على حي الزيتون بمدينة غزة (أ.ف.ب)
فلسطينيان يتفقدان آثار الغارات الإسرائيلية على حي الزيتون بمدينة غزة (أ.ف.ب)
TT

«هدنة غزة»: «المناطق العازلة» تُعمق مخاوف الإخفاق

فلسطينيان يتفقدان آثار الغارات الإسرائيلية على حي الزيتون بمدينة غزة (أ.ف.ب)
فلسطينيان يتفقدان آثار الغارات الإسرائيلية على حي الزيتون بمدينة غزة (أ.ف.ب)

حديث إسرائيلي رسمي عن إنشاء «مناطق عازلة» في قطاع غزة، أثار تساؤلات بشأن مدى تأثيراتها على اتفاق الهدنة المحتمل، الذي يطالب الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب بحدوثه قبل تنصيبه في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، خصوصاً أنها تأتي بعد عودة وفد التفاوض الإسرائيلي من الدوحة عقب مشاورات بشأن وقف إطلاق النار.

التصريحات الإسرائيلية عدّها خبراء، تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، مناورات وضغوطاً ستُعمق «مخاوف إخفاق التوصل لاتفاق قريب»، خصوصاً أنها تأتي مع اقتحام وزير إسرائيلي المسجد الأقصى، وأجواء «غير مشجعة» على حسم صفقة قبل نهاية العام.

وتوقعوا أن يذهب رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، إلى الاتفاق «متأخراً» قبل تنصيب ترمب، مع إشغال الرأي العام الداخلي عن الأزمة بتصعيد مع الحوثيين، في ظل تزايد الانتقادات الداخلية مع طلب الرئيس إسحاق هرتسوغ بالذهاب لـ«صفقة»، وصدور فتوى من الحاخام الأكبر دافيد يوسيف، تُشجع على إبرامها بأي ثمن.

وخلال وجوده في «محور فيلادلفيا» بغزة، الأربعاء، قال وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، إن «الأمن (بالقطاع) سيبقى في يد الجيش الإسرائيلي، وسنتأكد أيضاً من أنه ستكون هناك مناطق عازلة ومواقع سيطرة في غزة، وبهذا نحن سوف نعمل على إطلاق سراح جميع المختطفين».

وعقب سماع كلمات وزير الدفاع، عبّرت مصادر في فريق التفاوض الإسرائيلي، عن قلقها لأنها «ترى صفقة الاختطاف تتحرك بعيداً»، وفق ما كشفت صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية، الأربعاء.

وترى المصادر ذاتها أن «أيام اتخاذ القرار الحاسمة تتطلب المرونة وحسن النية، ومن ثم لا يجب أخذ نقطة حاسمة بإعلان عدم إنهاء الحرب، أو أن الجيش سيسيطر على غزة»، مؤكدة أن «هذه التصريحات تسببت في أضرار جسيمة».

رد فعل امرأة فلسطينية على مقتل أحد أقربائها في غارة إسرائيلية على مستشفى العودة بمخيم النصيرات للاجئين (أ.ف.ب)

وقال نتنياهو في مقابلة مع صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، الأسبوع الماضي: «لن أوافق على إنهاء الحرب قبل أن نجتث (حماس)، لن تُترك لها السلطة في غزة على بُعد 30 ميلاً من تل أبيب. هذا لن يحدث».

وتزامنت تصريحات كاتس مع إصدار «حماس»، الأربعاء، بياناً، قالت فيه إن «الاحتلال وضع قضايا وشروطاً جديدة تتعلق بالانسحاب ووقف إطلاق النار والأسرى وعودة النازحين، ما أجَّل التوصل إلى الاتفاق الذي كان متاحاً»، في حين كذّب مكتب نتنياهو ذلك، واتهم الحركة بأنها «تنسحب من التفاهمات التي تم التوصل إليها، وتواصل خلق الصعوبات أمام المفاوضات».

وتصريحات «المناطق العازلة»، بعد أخرى من نتنياهو «تُعمّق مخاوف الإخفاق في التوصل لاتفاق لدى الرأي العام»، وفق الأكاديمي المتخصص في الشؤون الإسرائيلية، الدكتور أحمد فؤاد أنور، عادّاً إياها «دغدغة مشاعر للرأي العام الإسرائيلي، وضغوطاً ومساومة لـ(حماس) والوسطاء، خصوصاً أنها تصريحات يمكن التراجع عنها وليست قرارات».

ويرى المحلل السياسي الفلسطيني، الدكتور عبد المهدي مطاوع، أن تلك التصريحات جزء من مناورات المفاوضات، ويجب ألا تُشكل ضغطاً ولا إحراجاً، عادّاً تلك الأحاديث أدوات في يد نتنياهو، يُخاطب بها الداخل لقبض أفضل ثمن المحادثات، مثلها مثل اقتحام المسجد الأقصى، الخميس، من جانب وزير الأمن القومي، إيتمار بن غفير.

فلسطيني جريح في غارة إسرائيلية ينتظر بالمستشفى الأهلي في غزة خلال وقت سابق (رويترز)

ويضاف لتلك التصريحات ما نقلته صحيفة «يديعوت أحرونوت»، الخميس، عن مسؤولين إسرائيليين بشأن «دراستهم تنفيذ هجوم كبير في عمق اليمن»، خاصة بعد إطلاق الحوثيين ليلة الثلاثاء-الأربعاء صاروخاً باليستياً للمرة الرابعة خلال أسبوع.

ويؤيد نتنياهو مسار توجيه ضربة، قائلاً، مساء الأربعاء، «الحوثيون سيتعلمون أيضاً ما تعلمته (حماس) و(حزب الله) ونظام (بشار) الأسد وآخرون، حتى لو استغرق الأمر وقتاً».

وذلك التلويح يُعد وفق أنور «جزءاً من مناورات نتنياهو لاستنزاف الوقت، ومحاولة إشغال الرأي العام، بعيداً عن جدل مفاوضات الهدنة في الداخل الإسرائيلي، في ظل انتقادات ومطالب رئاسية ودينية بإبرام الصفقة».

ووجّه رئيس المعارضة الإسرائيلية، يائير لبيد، اتهامات جديدة إلى نتنياهو، قائلاً: «إنه لا يريد حقّاً صفقة الرهائن. لو كان مصمماً على التوصل إلى صفقة، لذهب إلى القاهرة أو قطر بنفسه. كان سيحشد المجتمع الدولي بأكمله، ويتوصل إلى اتفاق بالفعل».

وحثّ الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ خلال إضاءة شمعة عيد الأنوار اليهودي، الأربعاء، على إبرام اتفاق، قائلاً: «أتوق وأعمل وأصرخ بكل طريقة ممكنة من أجل العودة الفورية للرهائن»، مضيفاً: «أدعو قيادتنا إلى العمل بكل قوتها، باستخدام كل أداة تحت تصرفنا، لتأمين صفقة، هذه مسؤوليتكم، وأنتم تتمتعون بدعمي الكامل لتحقيق ذلك».

فلسطينيون يقودون سياراتهم بين أنقاض المنازل المدمرة في أعقاب عملية عسكرية إسرائيلية في خان يونس (إ.ب.أ)

وأصدر الحاخام الأكبر لليهود السفارديم في إسرائيل، دافيد يوسيف، فتوى في مقابلة مع موقع ديني يهودي، أشار فيها إلى أنه «مسموح ويجب إطلاق سراح الإرهابيين، حتى القتلة الذين تلطخت أيديهم بالدماء، في مقابل الرهائن».

وبرأي أنور، فإن تلك الانتقادات والتصريحات تُعزز مسار الاتفاق، وتمهد الفتوى أيضاً بشكل ديني شرعي الطريق لإبرام الصفقة، وهذا ما يريده نتنياهو، ألا يكون وحده مَن سعى لذلك حتى لا يلام، وذلك حرصاً على مصالحه السياسية فقط لا غير.

ويتفق مطاوع أيضاً على أن التصريحات الرسمية والفتوى نوع من التمهيد لنتنياهو، ليقدم على الصفقة بتنازلات في الوقت المناسب دون أن تُشكل عليه أي لوم سياسي مستقبلي حال الذهاب لاتفاق.

ولم تكشف وسائل إعلام إسرائيلية أي سيناريوهات محتملة لنتائج اجتماع الكابنيت، الخميس، بشأن الاتفاق، ولم يحسم مستشار رئيس الوزراء القطري، ماجد الأنصاري، في مؤتمر صحافي، الثلاثاء، موعداً للصفقة، قائلاً: «لا يمكن لأحد التنبؤ بوقت زمني محدد للوصول إلى اتفاق هناك»، مؤكداً أن «المفاوضات ما زالت جارية بين القاهرة والدوحة».

ويرجح مطاوع أن «يذهب نتنياهو متأخراً للصفقة للحصول على أفضل المكاسب دون أن يتجاوز مهلة ترمب»، مؤكداً أنه «غير مضطر للذهاب المبكر، في ظل إحساسه بالانتصار وعدم اكتراثه بالرهائن».

كما يعتقد أنور أن تحذير ترمب لا يزال عامل ضغط قوياً على طرفي الحرب، متوقعاً ألا يتجاوز نتنياهو موعد المهلة، خصوصاً مع دخول المفاوضات مرحلة التفاصيل النهائية، وظهور عوامل مشجعة لقبول الاتفاق مثل الفتوى الدينية.


مقالات ذات صلة

أعنف ضربات إسرائيلية على الحوثيين... والجماعة تتمسك بالمواجهة

المشرق العربي دخان يتصاعد إثر غارات إسرائيلية على مطار صنعاء الخاضع للحوثيين (إ.ب.أ)

أعنف ضربات إسرائيلية على الحوثيين... والجماعة تتمسك بالمواجهة

نفذت إسرائيل أعنف ضربات لها ضد الحوثيين، أمس (الخميس)، بالتزامن مع الخطبة الأسبوعية المتلفزة لزعيم الجماعة عبد الملك الحوثي، مستهدفة مطار صنعاء، ومنشآت طاقة

علي ربيع (عدن)
المشرق العربي دخان يتصاعد بعد غارة جوية إسرائيلية على غزة (رويترز)

مقتل 15 فلسطينياً في غارتين إسرائيليتين على منزلين في غزة

قتل الجيش الاسرائيلي اليوم الخميس 15 فلسطينياً على الأقل في هجمتين جويتين على منزلين في مدينة غزة. 

«الشرق الأوسط» ( غزة )
المشرق العربي بقايا سيارة بعد غارة إسرائيلية بالقرب من مستشفى «العودة» في قطاع غزة (رويترز)

إعلان مقتل خمسة من طاقم مستشفى في غزة بغارة إسرائيلية

قال مدير مستشفى «كمال عدوان» في شمال غزة، الخميس، إن خمسة من أفراد طاقم المرفق، بينهم طبيب، قُتلوا بغارة إسرائيلية.

«الشرق الأوسط» (غزة)
المشرق العربي قذيفة مورتر أطلقها جنود إسرائيليون على غزة (رويترز) play-circle 03:06

تقرير: الجيش الإسرائيلي خفف قواعد الاشتباك مع بداية الحرب في غزة

ذكرت صحيفة «نيويورك تايمز»، اليوم الخميس، أن الجيش الإسرائيلي خفف قواعد الاشتباك في بداية الحملة العسكرية بقطاع غزة؛ لتمكين القادة من إصدار أوامر بشن هجمات.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
المشرق العربي رجل يُمسك بيد الرضيعة سيلا التي قتلها البرد في مستشفى ناصر بخان يونس الأربعاء (أ.ف.ب)

معاناة «قارصة» للنازحين في خيامهم... البرد يقتل 3 رضَّع بغزة

يعاني نحو مليوني نازح، تعيش غالبيتهم العظمى في خيام، ظروفاً قاسية خلال فصل الشتاء الثاني على التوالي الذي يقضونه في ظروف مماثلة.

«الشرق الأوسط» (غزة)

غوتيريش: الغارات الإسرائيلية على اليمن «مثيرة للقلق»

صورة مأخوذة من مقطع فيديو في 26 ديسمبر 2024 تظهر مباني محترقة في أعقاب الضربات الإسرائيلية على محطة كهرباء رأس كثيب في الحديدة باليمن (أ.ف.ب)
صورة مأخوذة من مقطع فيديو في 26 ديسمبر 2024 تظهر مباني محترقة في أعقاب الضربات الإسرائيلية على محطة كهرباء رأس كثيب في الحديدة باليمن (أ.ف.ب)
TT

غوتيريش: الغارات الإسرائيلية على اليمن «مثيرة للقلق»

صورة مأخوذة من مقطع فيديو في 26 ديسمبر 2024 تظهر مباني محترقة في أعقاب الضربات الإسرائيلية على محطة كهرباء رأس كثيب في الحديدة باليمن (أ.ف.ب)
صورة مأخوذة من مقطع فيديو في 26 ديسمبر 2024 تظهر مباني محترقة في أعقاب الضربات الإسرائيلية على محطة كهرباء رأس كثيب في الحديدة باليمن (أ.ف.ب)

ندّد الأمين العام للأمم المتّحدة أنطونيو غوتيريش بـ«التصعيد» في الأعمال العدائية بين المتمردين الحوثيين في اليمن وإسرائيل، معرباً عن «قلقه» إزاء الغارات التي شنّتها الدولة العبرية على مطار صنعاء، الخميس.

وقال ستيفان دوجاريك، المتحدّث باسم غوتيريش في بيان، إنّ «الأمين العام يدين التصعيد بين اليمن وإسرائيل. إنّ الضربات الجوية الإسرائيلية التي استهدفت مطار صنعاء الدولي ومواني في البحر الأحمر ومحطات للطاقة الكهربائية في اليمن، مثيرة للقلق بشكل خاص»، حسبما أفادت «وكالة الصحافة الفرنسية».

لقطة مأخوذة في 26 ديسمبر 2024 تظهر تصاعد الدخان بعد الضربات الإسرائيلية على محطة كهرباء رأس كثيب في الحديدة باليمن (أ.ف.ب)

وأعرب الأمين العام للأمم المتحدة عن قلقه بشكل خاص إزاء تداعيات قصف منشآت للنقل على عمليات المساعدات الإنسانية في بلد يعتمد 80 في المائة من سكّانه على المعونات.

وشدّد البيان على أنّ «الأمين العام ما زال يشعر بقلق عميق إزاء خطر حدوث مزيد من التصعيد في المنطقة، ويكرّر دعوته لكل الأطراف المعنية إلى وقف كل الأعمال العسكرية وممارسة أقصى درجات ضبط النفس».

وشنّ سلاح الجو الإسرائيلي (الخميس) غارات على مطار صنعاء الدولي وأهداف أخرى في اليمن أسفرت، وفق وسائل إعلام تابعة للحوثيين، عن مقتل 6 أشخاص، وذلك غداة هجمات شنّها ضد الدولة العبرية المتمرّدون اليمنيون المدعومون من إيران.

صورة ملتقطة في 19 ديسمبر 2024 في نيويورك بالولايات المتحدة تظهر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش يتحدث خلال مؤتمر صحافي قبل اجتماع لمجلس الأمن (د.ب.أ)

كما حذّر غوتيريش، وفقاً للبيان، من أنّ «الغارات الجوية على موانٍ بالبحر الأحمر وعلى مطار صنعاء تشكّل مخاطر جسيمة على العمليات الإنسانية، في وقت يحتاج فيه ملايين الأشخاص إلى المساعدة المنقذة للحياة».

كما ندّد الأمين العام، في بيانه، بالهجمات التي يشنّها المتمرّدون الحوثيون على خطوط الملاحة البحرية منذ عام.

وقال غوتيريش، في بيانه، إنّه يدين الحوثيين بسبب «الأعمال التصعيدية المتواصلة منذ عام... في البحر الأحمر والمنطقة، والتي تهدّد المدنيين، والاستقرار الإقليمي وحرية الملاحة البحرية».