محمد رُضا
صحافي متخصص في السينما
TT

ما لها وما عليها

اشتركت في ندوة حول مؤسسة «نتفلكس» التي أقيمت قبل يومين على هامش انعقاد مهرجان القاهرة الدولي. لمن لا يعلم بعد، «نتفلكس» هي واحدة من مؤسسات عدة تقوم بتوفير الأفلام إلى المنازل عبر الشبكة. وهي إحدى أقوى شركتين في هذا المجال. الأخرى هي «أمازون».
وقد أوضحت، في كلمتي، أنهفي خضم المتغيرات التي يمر بها هذا العصر، تتعرض السينما للكثير من التغيير والتطوير، ولو على حساب المفهوم الكلاسيكي والرومانسي لها. «نتفليكس»، هي واحدة من هذه المتغيرات، كذلك شركة «أمازون» المنافسة. كلاهما وجدا السبيل لتصميم علاقة مباشرة بين إنتاجاتهما وبين الجمهور متجاوزتين بذلك العلاقة التقليدية بين الجمهور والصالة السينمائية، ومانحتين حتى الجمهور التلفزيوني التقليدي فرصة التوسع في اختياراته.
يقدر عدد المشتركين بهذه الخدمة حول العالم بأكثر من مائة وتسعة ملايين مشترك. هذا الحجم هو جزء من الواقع الجديد الذي لا يمكن التغاضي عنه. «نتفلكس» وسواها، حاضرة لتبقى ولا يمكن لنا إعادة الساعة إلى الوراء على الرغم من خطورة ما تجرفنا صوبه التكنولوجيات الحديثة.
لكن ككل شيء في حياتنا، هناك إيجابيات وسلبيات.
في النواحي الإيجابية نجد أن ما ينتج عن توسيع رقعة المشاهدة يعني بالضرورة توسيع قاعدة الإنتاج، ما يعني استثمار المزيد من الكفاءات الفنية في مختلف المجالات. أي من الكتابة إلى الإنتاج النهائي والتوزيع. وهي تقوم كذلك بتوزيع أفلام لشركات مستقلة، وبل ترحب بذلك لأنها، كأي شركة سينمائية كبيرة، لا تستطيع أن تعتمد فقط على ما تنتجه وحدها.
أما في النواحي السلبية هناك عدد لا يُـستهان به:
أولاً: حقيقة أنها تؤثر على العادة التقليدية لمشاهدة الفيلم المتمثلة بصالات السينما. كلنا نعلم هنا أن المكان الأصح لمشاهدة فيلم ما هو الشاشة الكبيرة الموجودة في صالات السينما. أي شاشة أخرى، مهما كبر حجمها، لن تصل إلى حجم شاشة صالة فعلية من تلك التي انتشرت منذ مطلع العقد الثاني من القرن الماضي وإلى اليوم.
ثانياً: هناك التأثير المباشر على مفهوم المشاهدة كفاعل اجتماعي. أنت في صالة السينما شريك في المشاعر والعواطف والمفاهيم المختلفة التي تنفذ إليك من الفيلم. تفاعلك يختلف عن مشاهدة فيلم أو برنامج على شاشة التلفزيون، لأنه مرتبط أكثر بتفاعل جمعي ترقب من خلاله ردات فعلك وفعل سواك. والأهم أن رسالة الفيلم، أيما كانت، تنتشر على نحو جامع عوض أن تتجزأ. فالمكان الكبير أقدر على إنجاح المضمون من المكان الصغير (شاشة الكومبيوتر حتى ولو كانت مرتبطة بشاشة أكبر).
ثالثاً: أوعز حضور «نتفلكس» بصالات السينما للعمل على توفير أجواء جديدة، فبات لدينا صالات تشبه الصالونات، وصالات فيها موائد طعام، وأخرى مجهزة بالبعد الرابع ونظارات الدجيتال... كل ذلك لأجل المحافظة على الجمهور ما يبعدنا أكثر وأكثر عن نقاوة العرض السينمائي.
هنا ندرك أن القيمة الكلاسيكية للأفلام وللسينما عموماً جرى اختراقها. العلاقة الرائعة بين الجمهور والشاشة الكبيرة التي يجلسون أمامها، بالملايين حول العالم كل يوم، يتم دفعها إلى نهاية وخيمة لتقاليد راسخة واستبدال تقاليد أخرى بها.
طبعاً لن يقع هذا في القريب العاجل، لكن مع ما سبق ذكره من سلبيات، فإن الخطوات بالتأكيد متسارعة.