محمد النغيمش
كاتب كويتي
TT

دراسة الوقت وسلوكياتنا

توصلت مع زميلي أستاذ قسم الإدارة بجامعة الكويت د. عادل الوقيان إلى نتائج مثيرة للاهتمام، في دراسة تتابعية استمرت نحو 13 عاماً عن كيف يقضي عينة من المشاركين العرب أوقاتهم. ومنطلقنا من هذه الدراسة، التي تصدرت أمس المانشيت الرئيسي للصفحة الأولى من صحيفة «الجريدة»، أن الحكومات لا تستطيع أن تخطط للمستقبل، بمعزل عن معرفة كيف يقضي شعبها أوقاته.
فتوصلنا إلى أن نحو 39 في المائة من المشاركين في الدراسة ارتفع اهتمامهم بالماضي على حساب المستقبل، مقارنة بالدراسة الأولى عام 2003. وأن نصفهم أيضا يمعنون بالتفكير في الحاضر على حساب الانشغال المحمود في المستقبل. ذلك أنه إذا ما اهتم الفرد بمستقبله انعكس ذلك على يوميات حاضره وتفكيره.
تكمن أهمية الوقت في أن البعض لا يعتبره متغيرا بحثيا يمكن قياسه، الأمر الذي دفع الباحثين والعرب تحديدا للعزوف عن دراسته. فوجدنا بالفعل شحا كبيرا في دراسات الوقت. غير أن استعراضنا لأبرز الدراسات العالمية السابقة في هذا المجال، أوصلنا إلى أن الناس عموما يكون تفكيرهم منصبا في ثلاثة نطاقات زمنية، وهي الماضي أو الحاضر أو المستقبل. فمن يميلون نحو المستقبل عموما تجدهم أكثر ميلا نحو «العناة بصحتهم، وممارسة الراضة بانتظام، وتفضل الأغذة الصحة، وتجنب التدخن ومجالسة المدخنن»، في حن غلب على الأفراد الغارقين في التفكير الآني أو مجريات الوقت الحاضر انشغالهم في استهلاك ما حقق لهم المتعة والسعادة الوقتية، على حساب التفكير بعواقب ذلك على مستقبلهم مثل تدهور الصحة أو احتمالية ضيق العيش أو تبدل الحال. فمن يفكر في المستقبل، مثلا، يميل لأن يكون قرضه البنكي لمشروع استثماري عقاري صغير مدر للدخل، فيما من ينغمس في الحاضر وكمالياته يكون أقرب للاندفاع نحو قرض استهلاكي، انطلاقا من نظرته الآنية للوقت.
هذه الدراسة جعلتنا نكتشف أن الكويتيين يستحوذ على تفكيرهم نطاق الماضي على حساب المستقبل. وقد دقت الدراسة ناقوس الخطر لأنها تمثل عينة متطابقة من أفراد المجتمع الكويتي. فحينما يكون مجتمع عربي منشغلا في الماضي، فهذا قد ينعكس سلبا على مستقبله، وهو ما يحتم أهمية أن تلتفت الحكومات العربية لدراسات تحاول فهم كيف يتعامل الناس مع الوقت. فحينما تخطط الحكومات للمستقبل برؤى مختلفة فيما قطاع عريض من شعبها منشغل في الحاضر واستهلاكياته، ستكون هناك فجوة ما بين التخطيط وحمل راية التنفيذ. ونرى مظاهر العودة للماضي جلية في أحداث عدة آخرها تأسيس قناة اسمها القرين، لعرض أرشيف تلفزيون الكويت الزاخر بالمسرحيات والمسلسلات الرائدة في منطقة الخليج، وإعادة تسجيل أوبريتات وإعلانات واسكتشات قديمة، وأحيانا على حساب الإبداع أو الإتيان بجديد.
وعلى صعيد الدراسات العالمية لاحظنا أن البعض يعتبر الوقت «خطا دائريا» ومتكررا كتعاقب الليل والنهار وفصول السنة. يعني ما يذهب منه سيعود لا محالة من وجهة نظرهم. وهناك من يعتبره «خطا أفقيا» يتدفق بثبات منذ نعومة أظافر الإنسان حتى نهاية عمره. وهذه الفئة تعتبره فرصة ثمينة لا تتكرر. فالوقت مثل الطلقة إذا انطلقت لا تعود. وعليه فمن الطبيعي أن ينعكس ذلك على سلوكيات الناس ومن البديهي أن يحدث صدام بيننا وبين أولئك الذين يحملون نظرة للوقت تختلف عن نظرتنا له. فمن يرفع سماعة الهاتف أو يقتحم عليك مكتبك في غمرة انشغالاتك ومن دون استئذان أو تردد، قد لا يشعر بوطأة ضغوطات الوقت علينا مقابل واجباتنا المتراكمة، لأنه يعتبر الوقت خطا دائريا سيعود مثل تعاقب المد والجزر.
ومن مفارقات سلوكيات الوقت، أنه يمر بطيئا على البعض فيما يمر سريعا على آخرين، بحسب الحالة النفسية للفرد. فقد وجدت دراستان قام بهما هورنيك 1984 وديفيس وزميله فولمان 1990، أن هناك علاقة عكسية قوية بين طول مدة الانتظار ورضا العملاء عن الخدمة التي ينتظرونها. فكلما طالت المدة قل مستوى رضاهم بشدة.
وهذه النتائج تجعلنا نتصور أن للوقت تأثيرا على نفسية الإنسان وسلوكياته، وهو ما يحتم التوسع في دراساته في عالمنا العربي، لسبب بسيط هو أننا من أطلقنا المقولة الخالدة «الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك».
[email protected]