دانيال موس
TT

توقعات النظام العالمي الجديد لعام 2030

كانت الولايات المتحدة الأميركية الحاضر الغائب في أحد المؤتمرات الاقتصادية العالمية، الذي شهدت مدينة دبي الإماراتية فعالياته الأسبوع الماضي.
ومن واقع مناقشات مجالس المستقبل العالمي المنبثقة عن المنتدى الاقتصادي العالمي، اختلفت آراء جملة من الحاضرين حول التحديات التي تواجه نظام التجارة العالمي، وتنمية البنية التحتية في القرن الحادي والعشرين، واستعادة الثقة المفقودة بالخبراء وأهل القيادة. ولم يكن الرئيس الأميركي دونالد ترمب بمنأى عن ذلك أبداً، إذ كان انتخابه رئيساً للولايات المتحدة بمثابة نوع من الاختزال للمهمة العاجلة والملحة باستعادة الثقة بالاقتصاد العالمي المفتوح والمتكامل.
وسادت تلك المناقشات تيمتان متوازيتان. الأولى تعلقت بالصين ومقدار الأهمية الذي تحاول تأمينه لنفسها على قدم المساواة مع الولايات المتحدة، إن لم تكن أكثر أهمية منها، في صياغة ما سيبدو عليه وجه العالم بحلول عام 2030. وجاء خطاب الرئيس الصيني شي جينبينغ في مؤتمر الحزب الشيوعي الشهر الماضي، ليحوم في أفق القضية نفسها، التي تردد صداها إثر الزيارة المبجلة التي قام بها الرئيس الأميركي إلى بعض بلدان آسيا مؤخراً. وتبدو الصين في الآونة الأخيرة مثل القوة الكبيرة التي ترسي دعائم الاستقرار، والمقدرة على التنبؤ، بل والدفاع عن نظام التجارة العالمي.
أما التيمة الثانية التي هيمنت على المناقشات فكانت تدور حول تساؤل يتعلق بما إذا كانت الولايات المتحدة سوف تواصل دورها الريادي العالمي في عام 2030. إن الأساس الذي تقوم عليه المنظومة العالمية والذي أرسي اعتباراً من عام 1945 يعزى إلى القيادة الأميركية للعالم الحديث. ربما كانت فترة الهيمنة الأميركية هذه مثل الوميض السريع، لكن يبقى هناك الكثير يرتبط بالولايات المتحدة يتجاوز التوجه القومي الذي يتزعمه دونالد ترمب، فهناك المجتمع المدني، ورؤوس الأموال، وسلاسل التوريد العالمية التي أنشأتها مختلف الشركات الأميركية. وليس شيء من هذا في سبيله للزوال في المستقبل المنظور. وبالنسبة لكل المكاسب التي حققتها الصين، فإن اقتصاد الولايات المتحدة لا يزال الأقوى والأكبر على مستوى العالم. إنه أمر يعصف بالعقل والمنطق السليم أن نصل إلى نقطة نجد فيها بعضاً من الشخصيات الجادة في المنتديات المهمة يتساءلون عما إذا كان بمقدور الولايات المتحدة تولي مهمة الدفاع القوي والموثوق عن الأسواق الحرة في العالم. ولكننا قد بلغنا هذه المرحلة على أي حال.
كان هناك شعور سائد بأن ذروة القيادة الأميركية قد ولّت إلى غير رجعة. ويستدعي هذا التلاشي للقيادة الأميركية النظر في الكثير من الافتراضات التي تتطلب مزيداً من الفحص والاختبار. ودعونا نبدأ بملف التجارة، التي كان الدفاع عنها من الموضوعات التي استرعت الكثير من الاهتمام. كان هناك اتفاق على نطاق واسع بضرورة تعزيز النظام الراهن وتحسينه في الوقت نفسه الذي نعالج فيه القضايا التي تعاني من بعض التفكك.
وبطبيعة الحال، كلما أمضينا مزيداً من الوقت في محاولات تعزيز النظام القائم، ادخرنا مزيداً من الوقت، والجهد الفكري، والطاقات السياسية المبذولة في محاولات تطوير نظام آخر يمكنه تلبية احتياجات المستقبل المنظور. ونعود مرة أخرى إلى أهمية الدور الأميركي وحيويته المؤثرة. ولكن هل يمكن حقاً إزعاج الولايات المتحدة؟
قادتنا التساؤلات من هذا القبيل إلى الإبحار في سياسات ثلاث ولايات أميركية صناعية غنية ألا وهي ويسكونسن وبنسلفانيا ومتشيغان، تلك التي تأرجحت ميممة شطر السيد ترمب، على هامش ضئيل للغاية، قبل عام من الآن، مما أسفر عن وصوله إلى البيت الأبيض في نهاية المطاف. وقد يُصاب الناخبون المؤيدون للسيد ترمب، من سكان هذه الولايات تحديداً، بنوع من الذهول إذا ما علموا بأن انحيازهم «الانتخابي» قد صار من التيمات التي تداولتها مناقشات النخبة في دولة الإمارات العربية المتحدة (في حين أن السياسات الصينية الداخلية لم تنل ذلك الحظ من الاستماع والمناقشة).
وأشار أحد الحضور إلى أننا قد نكون بلغنا فترة توصف بالفاصلة ما بين النظام القديم، الذي كانت تقوده الولايات المتحدة والترتيبات العالمية الجديدة. بيد أن السيد ترمب لم يكن السبب الحقيقي وراء تلك الفترة الفاصلة، غير أنه ربما قد تسبب في التعجيل بظهورها. وتعد ملامح الترتيبات العالمية الجديدة من الأمور بالغة الأهمية للكيفية التي سوف يكون عليها العالم بحلول عام 2030، وهذا فيما يتعلق فقط بملف التجارة.
واصلت مجالس المستقبل العالمي سعيها الحثيث في تصور ملامح العالم في عام 2030، في وجود أو من دون وجود الولايات المتحدة الأميركية.

* بالاتفاق مع «بلومبيرغ»