ديفيد بروكس
خدمة «نيويورك تايمز»
TT

صراع الرؤى الاجتماعية

تحمل كل خطة ضريبية في جوهرها رؤية اجتماعية وإعلاناً عن منظومة من القيم. وقد جاءت الرؤية الاجتماعية المتضمنة في الخطة الضريبية التي وضعها أعضاء مجلس النواب من الحزب الجمهوري واضحة ومباشرة: أخذ المال من المهنيين الميسورين داخل الولايات المؤيدة للحزب الديمقراطي، وفي الوقت ذاته، توفير دعم مالي للمؤسسات التي تشكل المحرك لنمو اقتصادي واسع.
وتقضي الخطة المطروحة بزيادة الضرائب على المهنيين الميسورين داخل الولايات المؤيدة للديمقراطيين عبر سبل شتى؛ أولها: تفرض حداً أقصى على خفض فوائد الرهن العقاري على أصل القرض إلى 500 ألف دولار، بدلاً من مليون دولار. وتبعاً لتحليل نشره كريستوفر إنغرام في صحيفة «ذي واشنطن بوست»، فإن 2.5 في المائة فقط من الأميركيين يسددون رهوناً عقارية تتعلق بمنازل تفوق قيمتها 500 ألف دولار، وتتركز في معظمها في أماكن مثل كاليفورنيا ونيويورك وبوسطن والعاصمة واشنطن.
ثانياً: تقلص الخطة التي صاغها الجمهوريون الخصم المرتبط بالضرائب المحلية والضرائب على مستوى الولايات. من جانبها، أشارت مجلة «ذي إكونوميست» إلى أن ما يقرب من 90 في المائة من الفائدة المترتبة على هذا الخصم عادت على أولئك الذين يجنون أكثر من 100 ألف دولار سنوياً. ومرة أخرى، يتمثل المتضرر الأكبر من هذا الإجراء أبناء الولايات المؤيدة للحزب الديمقراطي الخاضعة لضرائب مرتفعة.
ثالثاً: يفرض مشروع القانون ضرائب على العوائد الاستثمارية التي تجنيها جامعات خاصة تضم على الأقل 500 طالب وأصولاً لا ترتبط على نحو مباشر بأهداف تعليمية بما يتجاوز 100 ألف دولار بالنسبة للطالب. ويفرض مشروع القانون ضريبة غير مباشرة بقيمة 20 في المائة على المسؤولين التنفيذيين غير الهادفين للربح الذين يجنون أكثر من مليون دولار.
الواضح أن ما سبق مجرد مقدمة لهجوم جمهوري كاسح ضد الجامعات الخاصة التي يجري النظر إليها على أنها معاقل للفكر الديمقراطي... فهي مؤسسات ثرية تزيد هوة التفاوت داخل المجتمع، وتضم مفكرين وآيديولوجيين ينتمون لفكر يساري راديكالي.
رابعاً: يبقي مشروع القانون على المعدلات الضريبية الهامشية المرتبطة بالشريحة الأعلى من دخول الأفراد، بل وتزيد المعدلات بعض الأحيان على شديدي الثراء. على امتداد العقود القليلة الماضية عندما كان الجمهوريون يتحدثون عن الإصلاح الضريبي، فإنهم تحدثوا بوجه عام عن إجراء تقليص حاد في المعدل الهامشي للشريحة الأعلى إلى 25 في المائة أو حتى 15 في المائة. ومع هذا، فإن الخطة المطروحة حالياً تبقي على هذا المعدل عند مستوى 39.6 في المائة. علاوة على ذلك، تتضمن الخطة بعض العناصر غير المألوفة. على سبيل المثال، فإنه مثلما أشارت «ذي وول ستريت جورنال»، فإنه تبعاً للخطة المقترحة سيواجه زوجان ضرائب بنسبة 45.6 في المائة على العائدات التي تتراوح بين 1.2 مليون و1.6 مليون دولار.
من جانبه، يقدر سكوت سمنر من «إكونلوغ»، أنه عند حساب الضرائب المحلية والأخرى على مستوى الولايات، سنجد أن الأثرياء من أبناء كاليفورنيا سيواجهون معدلاً ضريبياً يبلغ 62.7 في المائة.
في الواقع، ثمة حجة قوية تكمن وراء الجهود العامة نحو الإصلاح الضريبي، ذلك أن دولاً عبر أرجاء العالم تعمد إلى تقليص المعدلات الضريبية التي تفرضها على الشركات. وفي الوقت الراهن، تتسم الولايات المتحدة بأعلى المعدلات الضريبية المرتبطة بالشركات على مستوى دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، وكذلك ثالث أكبر معدلات على مستوى العالم. ومن شأن تقليص هذه المعدلات الضريبية جذب الاستثمارات، وفتح الطريق أمام الأموال المرابطة في الخارج، وزيادة أجور كثير من الأسر.
من ناحيتهم، تتنوع تقديرات الخبراء الاقتصاديين بشدة على هذا الصعيد، لكن لاري كوتليكوف من جامعة بوسطن يقدر أنه على الطرف الأعلى، فإن تقليص المعدلات الضريبية على الشركات قد يزيد دخل الأسر العاملة بمعدل يبلغ نحو 3.500 دولار سنوياً.
من ناحيتهم، يملك الجمهوريون رؤية اجتماعية تدور حول أن قطاع الشركات أكثر أهمية لضمان الصحة الاقتصادية لأميركا عن القطاع المهني وغير الهادف للربح.
ودعونا نسأل هنا: ما هي في المقابل الرؤية الديمقراطية؟ هل سيقضي الديمقراطيون الشهور القليلة التالية في الدفاع عن تقليص الفوائد على الرهون العقارية والتخفيضات الضريبية الأخرى عن أثريائهم؟
من يدري، ربما أصبحت السياسة الاقتصادية قبلية، تماماً مثلما الحال مع كل شيء آخر في حياتنا السياسية.
*خدمة «نيويورك تايمز»