د. كريم عبديان بني سعيد
ناشط حقوقي ومهتم بقضايا إيران
TT

أزمات المياه والبيئة والتصحر في إيران

يقول الخبراء إن إيران كبلد ستنتهي بعد جيل إذا لم تسارع الحكومة في معالجة أزمات المياه والتلوث البيئي والتصحر في أقاليمها الجنوبية.
ويُعتبر إقليم عربستان (الأحواز- الأهواز) أو خوزستان، كما تسميه السلطات رسمياً، والذي يحتوي أكبر الأنهار في البلاد (كارون والكرخة والدز والجراحي)، بالإضافة إلى أهوار واسعة، هو الأكثر تلوثاً على الإطلاق على المستوى العالمي؛ وذلك بسبب العواصف الترابية وتأثير مخلفات الصناعة الثقيلة، بما في ذلك النفط، وقطاعات البتروكيماويات والمعادن.
وفي الوقت نفسه، تسبب سوء إدارة الموارد المائية وكثرة السدود على الأنهار ومشروعات نقل مياه الأنهر من الأهواز إلى محافظات الوسط الإيراني، في تحويل 1.1 مليار متر مكعب سنوياً. كما يؤدي سوء إدارة المياه إلى التصحر وتفاقم التلوث، وانعدام الزراعة وأزمات غذائية في إيران، وتدمير المحاصيل التي يأتي جزء كبير منها من الأهواز.
وتجدر الإشارة إلى أن نهر هامون في منطقة بلوشستان قد جف عملياً. كما تعاني الأقاليم المركزية كأصفهان ويزد وكرمان، من نقص المياه وسوء الإدارة البيئية.
وتم بناء ما مجموعه 33 سداً على أنهر كأرون والكرخة، وهناك عشرات السدود الجديدة قيد الإنشاء، كما تدعو الدراسات الحكومية إلى زيادة إمدادات المياه إلى المحاصيل النقدية، ولا سيما صناعة السكر، فضلاً عن توليد الطاقة الكهرومائية.
ورغم تحذيرات مركز النباتات في الشرق الأوسط (سي إم آي بي) وصندوق كاربون (كاربون تراست)، فإن الوضع لا يزال قابلاً للسيطرة مع الإدارة المناسبة لمكافحة التلوث والتصحر من خلال نقل التكنولوجيا، كما هو الحال في العراق، لكن النظام الإيراني لا يبالي بهذه الأمور.
وقد يكون انهيار إيران حتمياً إذا أدت الأزمة البيئية إلى تدهور في إنتاج المحاصيل الغذائية. ويمكن أن تنشب حرب أهلية في ظل تنافس الأقاليم على موارد المياه وسوء التغذية والمجاعة لدى أفقر قطاعات المجتمع. حديثاً، أكد المجلس الاستشاري العسكري العالمي المعني بتغير المناخ، بأن التغيرات المناخية بما في ذلك سوء إدارة الموارد المائية، تعد أكبر تهديد أمني للقرن الحادي والعشرين. وحذر البروفسور برويز كوردواني، المتخصص البارز في التصحر في إيران، مؤخراً، من أن إيران استنزفت 70 في المائة من مياهها الجوفية، وأن المنافسة الإقليمية على المياه ستؤدي إلى نزاعات محلية خلال خمس سنوات. إن انحراف وتحويل المياه يدمر الأهوار والأنهار ويؤدي إلى تدمير البيئة بأكملها، وفي نهاية المطاف القضاء على إنتاج الموارد الغذائية. ومن المحتمل جداً أن تشهد إيران ظاهرة نزوح للسكان بسبب التلوث البيئي في المستقبل القريب. وتحديات أزمة المياه حقيقية في إيران، حيث هناك زيادة في استخدام المياه في القطاع الزراعي، وبخاصة قصب السكر، بالإضافة إلى ارتفاع الاحتياجات من الصناعة. كما أن رفع سعة البتروكيماويات من 60 مليون طن سنوياً إلى 100 مليون طن سنوياً بحلول عام 2025، سيؤدي إلى زيادة استهلاك المياه بنسبة الثلثين. كما تخطط إيران لرفع إنتاج الصلب السنوي من 16 مليون طن في عام 2015 إلى 55 مليون طن في عام 2025، ويعنى هذا زيادة بنسبة 240 في المائة. وسيؤدي ذلك إلى زيادة الاحتياجات من المياه لصناعة الصلب إلى نحو 15 مليار متر مكعب سنوياً؛ أي 8 في المائة من استهلاك المياه المتوافرة الحالية. لكن الأخطر هو سد لانتقال المياه وهو الأخير الذي شيّد في عهد حكومة محمود أحمدي نجاد، أي سد «كتوند» الذي بات يشكل خطراً على الأراضي الزراعية في المنطقة بأكملها، حيث تم إنشاؤه بالقرب من منجم غاتشساران للملح؛ ما أدى إلى تشكيل جبل من الملح خلف السد. وأثرت هذه الملوحة بشدة على المياه الصالحة للاستعمال الزراعي ومياه الشرب. وأظهرت الدراسات المبكرة، أن السد سوف يسبب الدمار البيئي، لكن تم تجاهل التحذيرات من قبل الحكومات الإيرانية المتعاقبة. وقد حذر برنامج بيئة الأمم المتحدة (يو أو آي بي) أن الأهوار في جنوب غربي إيران تواجه وضعاً مشابهاً للكوارث البيئية التي أثرت على بحر آرال والأمازون. وخلص في دراسة عن الأهوار في العراق وإيران، إلى أن «التأثيرات التراكمية لبناء السدود وتجفيف الأهوار وحولها كانت مدمرة. في أقل من عقد، واحدة من أكبر وأهم النظم الإيكولوجية في العالم قد انهارت تماماً».
وكان علي محمد شيري، نائب رئيس منظمة البيئة الإيرانية، قال إن «500 ألف هكتار من الأهوار قد جفت، وإن هذا هو السبب الرئيسي للعواصف الرملية في المنطقة». وبدأت شركات النفط الإيرانية استكشاف هور العظيم للنفط منذ عام 2000 بعد الموافقات البيئية المثيرة للجدل من مجلس الشورى. كما قامت حكومة الرئيس أحمدي نجاد (2005 - 2013) بمصادرة 7.600هكتار من أراضي الأهوار من أجل امتياز التنقيب عن النفط الممنوح لشركات النفط التي تنتمي إلى شركائه. لقد تم تجفيف مواقع الحفر قبل بدء عمليات الاستكشاف؛ ما أدى إلى أضرار دائمة. ومنذ بدء عمليات الحفر، تسببت صناعة النفط بزيادة الطلب على إمدادات المياه، واستنزفت الأهوار؛ ما تسببت بارتفاع مستويات التلوث. وقال رئيس قسم البيئة في منطقة الحويزة، موسى محجي: إن النظام البيئي الفريد لهور العظيم مهدد بتلوث شديد من مياه الصرف الصحي من شركات الحفر العاملة هناك. وبسبب التلوث المفرط للأنهار، فإن حجم المواد الصلبة الذائبة في الماء قد زادت بشكل كبير. وأشار عالم الحكومة الإيرانية، الدكتور بختياري نيا، إلى أن الأمراض الناتجة من المياه والغذاء تزداد سوءاً نتيجة لشح المياه النظيفة وعدم اتباع نظام غذائي صحي. ووصف الرمال التي تعصف بالمنطقة بشكل روتيني بأنها نتيجة تدهور في الرطوبة، حيث تتلاشى الأراضي الرطبة. ووفقاً لمنظمة الصحة العالمية تعد مدينة الأهواز الأكثر تلوثاً في العالم. وتقول منظمة البيئة الإيرانية: إن مستوى تلوث الهواء بسبب غبار التربة هو 19 ضعف الحد القياسي.
وصى المرشد الإيراني علي خامنئي بخطة لزيادة عدد السكان في إيران من 80 مليوناً إلى 150 مليون نسمة، في حين تعاني البلاد من مجاعة وتدهور بالمستوى المعيشي، حيث تشير الإحصائيات الرسمية إلى أن هناك 12 مليون مواطن لا يحصلون على قوتهم اليومي. ويقول خامنئي إنه يريد الاكتفاء الغذائي لكل هؤلاء الملايين، لكن حكوماته تدمر البيئة والزراعة والمحاصيل. وفي السنوات الأخيرة، أدى بناء السدود وتحريف مياه الأنهار إلى القضاء على الزراعة وانخفاض إنتاج محاصيل القمح. ومنذ عام 2012، انخفض إنتاج القمح السنوي في منطقة الأهواز إلى النصف بسبب نقص المياه؛ ما جعل إيران أكبر مستورد للقمح في العالم من مصادرها الرئيسية من الولايات المتحدة وألمانيا. كما ارتفعت أسعار المواد الغذائية بنسبة 60 في المائة، أي نحو ثلاثة أضعاف المعدل الإجمالي للتضخم، بسبب انخفاض محاصيل القمح بشكل حاد.
وحذر عيسى كالانترى، مستشار المياه والزراعة والبيئة لنائب الرئيس الإيراني ووزير الزراعة السابق، من أن إيران إذا لم تغير أسلوبها في استخدام المياه، فإن النتيجة قد تكون صراعات أهلية وهجرات جماعية. وقال: «ما يقرب من 50 مليون شخص، أي 70 في المائة من الإيرانيين، لن يكون لديهم خيار سوى مغادرة البلاد».