شذى الجبوري
صحافية عراقية عملت سنوات في بغداد ولندن والآن تغطي الشأن السوري
TT

جارتا سوريا

يتهم نظام الرئيس السوري بشار الأسد جارته الشمالية، تركيا، بتسهيل دخول المقاتلين الأجانب إلى الأراضي السورية عبر الحدود بين البلدين (822 كيلومترا) للقتال في صفوف الجماعات المسلحة وشن هجمات ضد قواته والمدنيين السوريين وبدعم «الإرهاب» وزرع الفوضى في سوريا. كما يدعو جارته الشرقية، العراق، بين الحين والآخر إلى السيطرة على الحدود بين البلدين (605 كيلومترات) لوقف تسلل عناصر تنظيم القاعدة.
ليس بعيدا.. بل قبل سنوات قلائل فحسب، كان المسؤولون الأميركيون والعراقيون «يستجدون» نظام الأسد لوقف تدفق مئات بل ربما آلاف المقاتلين الأجانب والانتحاريين الذين قدموا من شتى أنحاء العالم إلى العراق بذريعة قتال القوات الأميركية، لكنهم استرخصوا الدم العراقي. فمقابل كل جندي أميركي واحد قتل في تلك الحرب، سقط عشرات آلاف العراقيين.
وبحسب اعترافات مقاتلين عرب وأجانب، ألقت القوات الأميركية القبض عليهم إبان سنوات العنف (2005-2008)، أقروا بالتسلل عبر سوريا وحصولهم على تسهيلات من السلطات السورية التي غضت الطرف عنهم، بل إن بعضهم اعترف بتلقي تدريبات في معسكرات في اللاذقية وحمص للإعداد وتنفيذ هجمات انتحارية وغير انتحارية في العراق واستخدام الأسلحة. وعندما حاجج الأميركيون والعراقيون النظام السوري بالأدلة والبراهين، كان رد نظام دمشق جاهزا بنكران تلك الحقائق، زاعما أن الحدود طويلة بين البلدين ولا يمكنه السيطرة عليها، على الرغم من كل إمكانات نظام الأسد الأمنية والاستخباراتية التي لا تخفى على أحد! ومرة جاء الجواب السوري «مستخفا» عبر الرد بسؤال مقابل وهو: «لماذا لا تؤمنون أنتم حدودكم؟!».
جارة العراق الغربية سهلت إدخال الانتحاريين، الذين تفادى أغلبهم القوات الأميركية، بل توجهوا إلى أهداف مدنية آمنة لا ناقة لها ولا جمل في كل ما يجري من حولها، بل تسعى فقط لتأمين لقمة يومها والعيش بسلام وسط تلك الأحداث الدامية. واختار هؤلاء الانتحاريون بكل خسة ودناءة أهدافا سهلة لإيقاع أكبر عدد من المدنيين في الأسواق وتجمعات العمال ومجالس العزاء وملاعب كرة القدم والمدارس، ناهيك عن الوزارات والدوائر المدنية الخدمية التي تعنى بشؤون المواطن.
وإذا كانت أهداف هؤلاء «عشوائية»، فإن جارة العراق الشرقية، إيران، حليفة نظام الأسد، اختارت طريقا آخر «مدروسا» عبر تخريب ما بقي من بنية العراق ومؤسساته. فلم يرسلوا الانتحاريين، بل كتائب الموت، التي أعدت بعناية لوائح اغتيالات مستهلة أنشطتها باستهداف ضباط الجيش العراقي والطيارين، الذين قاتلوا خلال الحرب العراقية - الإيرانية، والبعثيين. ثم تحولت فرق الموت تلك إلى العقول العراقية من أطباء ومهندسين ثم أساتذة الجامعات والصحافيين والناشطين وحتى المعارضين لسلطات بغداد الجديدة. فكان تأثيرها مرعبا ولا يقل وحشية عن الدمار الذي خلفته السيارات المفخخة، إن لم يكن أسوأ منها.
واليوم، وكما يقول المثل «طباخ السم يذوقه»، يستنجد نظام الأسد بحكومة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي لتأمين الحدود وإغلاقها بوجه عناصر تنظيم القاعدة الذين باتوا يتسللون عكسيا من الأراضي العراقية إلى الداخل السوري.
العراق يرد دوما على الطلب السوري بتقديم الوعود والتعهد بالعمل على السيطرة على الحدود، أما تركيا فتجيب بأنها تدعم مقاتلي المعارضة السورية، بيد أنها تنفي تسهيل تسلل الجهاديين و«التكفيريين».
لكن ما من أحد يرد على نظام الأسد بسؤال مقابل، ألا وهو: «لماذا لا تؤمنون حدودكم بأنفسكم؟!».