حسين شبكشي
رجل أعمال سعودي، ومستشار اقتصادي لعدد من الشركات الخليجية الكبرى، وعضو مجلس إدارة ورئيس مجلس إدارة في عدد من الشركات السعودية والأجنبية. نشر العديد من المقالات في مجالات مختصة، وفي صحف ومجلات عامة في العالم العربي. اختير عام 1995 «أحد قادة الغد» من قبل «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس. أول رجل أعمال سعودي وخليجي ينضم إلى «منتدى أمير ويلز لقادة الأعمال».
TT

توظيف المال والخيال!

لا حديث في السعودية هذه الأيام إلا عن تصريحات ولي العهد الأمير محمد بن سلمان الأخيرة، ودفعة التفاؤل وشحنة الأمل التي أطلقها في الساحة. المناسبة كانت الإعلان عن مشروع عظيم فيه من التحدي والخيال والحلم الشيء الكثير، وهي كعادة المشاريع التي أطلقها الأمير محمد دائماً ما تتحدى الممكن والمعتاد. ولكن الأهم ما صرح به خلال اللقاء وفقرة الأسئلة والحوار، وكانت أهم النقاط التي أثارها ولي العهد السعودي هي العزم والإصرار على الإسلام الوسطي المتسامح، وأنه لن يكون مسموحاً بأن يُخطف السعوديون في دينهم مجدداً، وأنه سيقضي على التطرف والإرهاب فوراً واليوم. هذه اللهجة وهذه اللغة وهذه المفردات تعتبر بالنسبة لكل سعودي عايش فترة ومرحلة الصحوة الظلامية، جريئة ونقلة نوعية، وفي مسألة لا يقدر عليها إلا القادة الواثقون والمتمكنون والذين لديهم الثقة في أنفسهم لصناعة غد أفضل.
لم يعد خافياً «أثر» الأمير محمد بن سلمان عقب كل إعلان عن مشروع أو تصريح له أو موقف يدلي به. أسواق الأسهم السعودية تتفاعل بشكل إيجابي، والحالة النفسية الإيجابية من الممكن قياسها في وسائل التواصل الإعلامي بشكل واضح، وكأنها مباركة وتأييد جارف له. ولعل أحد وأهم وأكثر إنجازات الأمير محمد بن سلمان فعالية وتأثيراً استطاعته إعادة «تمركز» و«تمحور» السعودية في الساحة الإعلامية من الصورة الذهنية السلبية التي كانت تركز على أنها دولة منغلقة، وصعبة، ومتطرفة، ومتهمة من قبل البعض بأنها داعمة وراعية للإرهاب، إلى دولة مقدامة وطموحة وجريئة تمكنت من أن تكون نقطة الجذب الأولى للأخبار الحالمة وصناعة المستقبل في منطقة لم تعرف إلا أخبار الخراب والقلق في الفترة الأخيرة مع شديد الأسف.
لعل أبرز رمزية تصف ما تغير في المنطقة حديث بين رجل أعمال لبناني بارز كان في حوار مع أحد زملائه وهما يتابعان الأخبار والإعلانات عن المشاريع السعودية ويعلقان على التطورات الحاصلة في القوانين والتشريعات المصاحبة لذلك، فما كان من رجل الأعمال اللبناني إلا أن تنهد وقال باللهجة اللبنانية العامية: «يا أخي ليش ما بنكون مثل السعودية»؟ وراجعت نفسي وتأملت في مقولة الرجل لأجد نفسي متأملاً وقلت: فعلاً لبنان البلد الذي كان مضرباً للأمثال في الحياة المدنية والانفتاح والتعايش والذي يسبق عصره مقارنة بغيره، تحول اليوم إلى بيئة طاردة وتحكم من قبل عصابة طائفية وإرهابية، بينما السعودية التي كانت تعتبر من قبل البعض دولة رجعية متخلفة تترك كل ما يعيقها خلفها وتنطلق لصناعة غد أفضل.
الحديث هنا يتخطى التعليق على مشروع حالم فيه من العبقرية الكثير، فهو مشروع يربط آسيا وأفريقيا وأوروبا، ويواكب تقنية غير مسبوقة، ويجذب إليه أهم رؤوس الأموال من حول العالم بشكل مبهر، ويقدم للجميع أهم فرصة استثمارية يوظف فيها المال والخيال في آن واحد. مشروع وضع السعودية في قلب خريطة وبوصلة العالم الاستثمارية بلا جدال، ولكن الأهم أن السعودية قلبت صفحة الماضي المتطرف الوحشي الأليم الذي أفرز سنوات من العبث والشيزوفرينيا ودخلنا وبقوة نادي المستقبل الطبيعي.
هنيئاً للسعودية ولها أن تفرح بلا وجل أو خجل، فلقد طال انتظار الفرحة.