حمد الماجد
كاتب سعودي وهو عضو مؤسس لـ«الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان السعودية». أستاذ التربية في «جامعة الإمام». عضو مجلس إدارة «مركز الملك عبد الله العالمي لحوار الأديان والثقافات». المدير العام السابق لـ«المركز الثقافي الإسلامي» في لندن. حاصل على الدكتوراه من جامعة «Hull» في بريطانيا. رئيس مجلس أمناء «مركز التراث الإسلامي البريطاني». رئيس تحرير سابق لمجلة «Islamic Quarterly» - لندن. سبق أن كتب في صحيفة «الوطن» السعودية، ومجلة «الثقافية» التي تصدر عن الملحقية الثقافية السعودية في لندن.
TT

أنجيلا ميركل قارورة لا تنكسر

حين دلفت مستشارة ألمانيا إلى عالم السياسة تصورها صناديد الدبلوماسية الألمان قارورة سياسية تتهشم من أول احتكاك، فكانت كما قال الشاعر العربي: «كناطحٍ صخرة يوماً ليوهنها *** فلم يَضِرْها وأوهى قرنَه الوعلُ». في نزالاتها السياسية ناطحت عتاة السياسة فظفرت بعدد من «النطحات» المسددة، من أبرزها مناطحتها لهيلموت كول أقوى ساسة ألمانيا بعد الزعيم التاريخي المرعب أدولف هتلر، فصرعته وهي التي خرجت من عباءته حين عينها في أول منصب سياسي وهي في ريعان شبابها وزيرة للمرأة والشباب، ومع ذلك طالبت بعزل رئيسها بعد فضيحة سياسية، غير مكترثة بـ«العيش الدبلوماسي والملح الحزبي». وكانت «النطحة» السياسية الثانية ضد الرجل القوي هيلموت كول حين كسرت رقمه القياسي بكونه ثاني زعيم ألماني يترشح للمنصب الأول ثلاث مرات، ثم أثخنت «المرأة الحديدية» جراح زعيمها القوي هيلموت كول بملكة «النطحات»، وذلك بالفوز بزعامة ألمانيا الأسبوع المنصرم للمرة الرابعة، لتنفرد بضرب الأرقام السياسية الألمانية، ولتتعب مَن بعدها في تحقيق إنجازاتها السياسية اللافتة.
لقد ظل لقب «المرأة الحديدية» شاغراً ومرتبطاً بالسيدة مارغريت ثاتشر، رئيسة الوزراء البريطانية، التي قادت البلاد في معركتين شرستين إحداهما اقتصادية، مما جعل مرحلتها تسمى بالثاتشرية، والمعركة الأخرى عسكرية لاستعادة جزر الفوكلاند من الأرجنتين، وعلى بعد آلاف الكيلومترات من الجزر البريطانية، إلى أن انتقل لقب «الحديدية» إلى وصيفتها الألمانية السيدة أنجيلا ميركل، وقد توجتها بهذا اللقب الصعب مجلة «فوربس» الأميركية الشهيرة حين وصفتها بأقوى امرأة في العالم؛ نظراً لبقائها في الحكم مدة طويلة، ولنجاحها الاقتصادي الباهر، وصمود ألمانيا أمام الأزمة الاقتصادية العالمية، التي أصابت أغلب دول أوروبا بالركود، وكادت تودي بأخرى إلى الإفلاس، كما نشرت ذلك عدد من وسائل الإعلام البريطانية.
إن جزءاً من «حديدية» المستشارة الألمانية هو في موقفها الإنساني القوي من اللاجئين الذين شردتهم الحروب والنزاعات العسكرية والسياسية والمجاعات في عالمنا العربي والإسلامي، ففتحت حدود بلادها لهم، غير مكترثة بتداعيات هذا الموقف الإنساني الصلب على مستقبلها السياسي، وفعلاً فقد تراجعت شعبيتها السياسية، ولكنها سرعان ما استردت عافيتها الشعبية بسبب قوتها وشدة مراسها، وطول نفسها، لتتوج هذا التعافي بالفوز بمنصب المستشارية للمرة الرابعة على التوالي، متجاوزة «هاتريك» هيلموت كول كما أشرت آنفاً.
هذه الفارسة الألمانية تخصصت في تخطي الحواجز وكسر الأرقام القياسية وتهشيم المألوف، فهي أول امرأة تحصد منصب ألمانيا الأول، وهي الأولى على الإطلاق في الفوز به أربع مرات، وهي ذاتها أيضاً أول سياسي «بروتستانتي» ألماني يتبوأ منصب المستشارية الذي يحتكره السياسيون الكاثوليك، مثلما كسر جون كيندي الرئيس الأميركي الكاثوليكي احتكار البروتستانت للمنصب الأهم عالمياً. وهي أيضاً التي روضت الدول الأوروبية المثقلة بالديون مثل اليونان وآيرلندا وإيطاليا وإسبانيا والبرتغال، لتنهج سياسة تقشفية مؤلمة، كي يتعافى الجسد الأوروبي.
من طبائع البشر الرفق بالقوارير النسائية، ولكن «القارورة» الأنثوية الصلبة أنجيلا ميركل هي التي يتوسل لها الناس بأن ترفق بصناديد الرجال.