دنيس روس
TT

خطة ترمب في أفغانستان: التغيير أم الاستمرار؟

أقر الرئيس ترمب أخيراً استراتيجيته تجاه أفغانستان، ففي أعقاب مراجعة أقر الرئيس أنها دفعته إلى تغيير رأيه بضرورة سحب القوات الأميركية من هناك، اتخذ ترمب قراره بإرسال قوات إضافية إلى أفغانستان. وأعلن الرئيس أننا سننتصر في أفغانستان - مهمة صعبة بالتأكيد، وبخاصة في ظل غياب اتفاق حول ما يعنيه تحديداً الانتصار في أفغانستان.
في إطار محاولته رسم ملامح توجهه، أوضح الرئيس ترمب أننا لم نتخلَ عن جهود بناء الدولة داخل أفغانستان. وشرح باستفاضة كيف تختلف سياسته عن سياسة أوباما - في بعض الجوانب. يبدو هذا صحيحاً تماماً؛ فعلى خلاف أوباما، حرص الرئيس ترمب على عدم الحديث عن أعداد القوات الإضافية التي سيدفع بها - رغم أن مسؤولين بالإدارة والبنتاغون أشاروا إلى أن العدد ربما يبلغ قرابة 4000 جندي. في المقابل، كان أوباما واضحاً بشأن الأعداد التي يتحدث عنها، وبخاصة فيما يخص قرار زيادة أعداد الجنود نهاية عام 2009. إلا أن هذا أدى كذلك إلى واحدة من أكبر شكاوى المسؤولين العسكريين وآخرين بخصوص قرار الرئيس أوباما بإعلان أنه سيزيد أعداد القوات بمقدار 30.000 جندي؛ لأنه أعلن كذلك في ذلك الوقت أنه سيجري البدء في سحب هذه القوات في غضون عام واحد، بغض النظر عن الموقف على الأرض. وشعر أوباما بأنه لو خلقت هذه القوات اختلافاً - مثلما أكد قادتنا العسكريون - فإننا من المفترض أن نعاين نتائج ذلك في غضون عام، ولن تكون هناك حاجة إلى الإبقاء على القوات الإضافية. من ناحية أخرى وتبعاً للمنطق ذاته، فإنه إذا أخفقت هذه القوات في ترك تأثير ملموس على الأرض في غضون عام، فإنه ينبغي لنا الشروع في سحبها؛ لأن ذلك يعني أن قرار زيادة أعداد القوات لا يترك التأثير الذي توقعه البنتاغون.
وفي الوقت الذي تبدو الحجة التي طرحها أوباما منطقية، فإنها أغفلت أنه من خلال التصريح بموعد بدء سحب هذه القوات الإضافية، فإننا بذلك نمنح جماعة «طالبان» سبباً وجيهاً للانتظار حتى نبدأ في تقليص القوات. علاوة على ذلك، فإننا قدمنا بذلك إشارات للأفغان والباكستانيين تفيد بأن التزامنا تجاه أفغانستان محدود، وأنهم ربما يتعين عليهم تعديل سياساتهم للتوافق مع هذا الوضع. أما ترمب، فإنه لم يطرح جداول زمنية، وحرص على تجنب الوقوع في هذا الخطأ.
ومع هذا، فإن الجزء الباقي من استراتيجية ترمب يبدو في واقع الأمر بمثابة استمرار، وليس تغيير في الاستراتيجية الأميركية إزاء أفغانستان. ويقتضي الإنصاف القول إن قواتنا ربما تكون الآن أكثر اندماجاً مع القوات الأفغانية، وربما تكون في وضع أفضل يمكنها من شن ضربات جوية أكثر دقة عن ذي قبل، لكن بصورة أساسية ستستمر القوات الأميركية في تدريب القوات الأفغانية وقوات محاربة الإرهاب، وتقديم المشورة إليها وليس القتال بدلاً عنها. ويبدو هذا النهج منطقياً تماماً، لكنه لا يشكل تغييراً عن نهج إدارة أوباما. وبالمثل، فإن دعوة الرئيس للتعامل مع الفساد في أفغانستان تحمل أهمية كبيرة بالتأكيد - وبخاصة في ضوء ما تكشفه إجراءات فصل قيادات عسكرية أفغانية في الفترة الأخيرة في هلمند وقندهار لاستيلائهم على أموال كرواتب لجنود مسجلين في السجلات الرسمية، ولا وجود لهم على أرض الواقع، من وجود فساد داخل المؤسسة العسكرية الأفغانية ذاتها.
إلا أن محاولة دفع الحكومة الأفغانية لمحاربة الفساد واجتثاثه من جذوره ليست بالأمر الجديد؛ ذلك أنه سبق وأن جعلت كل من إدارتي بوش وأوباما من محاربة الإرهاب هدفاً كبيراً أمامها. وفي عهد إدارة أوباما، عندما تولى ريتشارد هولبروك منصب المبعوث الأميركي الخاص لأفغانستان وباكستان عام 2009، حدد الفساد باعتباره أحد التحديات الرئيسية أمامه، التي ينبغي التغلب عليها لضمان نجاح الاستراتيجية الأميركية تجاه أفغانستان. وبالمثل، نجد أن إتش. آر. مكماستر، مستشار الرئيس ترمب للأمن الوطني، تولى في فترة ما قيادة قوة العمل المشتركة لمحاربة الفساد داخل أفغانستان. جدير بالذكر، أن أفغانستان تأتي في المركز الـ169 من بين 176 دولة بمؤشر الفساد الصادر عن «منظمة الشفافية الدولية».
ومن غير الواضح كيف يمكن لهذه الإدارة أو تنوي النجاح في محاربة الفساد الذي أخفقت الإدارتان السابقتان في إحراز تقدم كبير في مكافحته. ومن يدري، ربما جرى بالفعل إحراز تقدم أكبر مما يبدو عليه الحال، وفي الوقت ذاته، يبدو الرئيس الأفغاني غني عاقد العزم على بذل جهود أكبر في هذا الاتجاه عن سلفه، حميد كرزاي. ومع هذا، تظل الحقيقة المؤكدة أن الفساد يضرب بجذور عميقة داخل الحكومة المركزية الأفغانية وكذلك حكومات الأقاليم. لقد أصبح الفساد اليوم جزءًا لا يتجزأ من نسيج الواقع الأفغاني، ومن المتعذر محوه في أي وقت قريب.
من بين المجالات الأخرى التي يبدو فيها استمراراً للنهج الأميركي القائم، وليس تغييراً، التعامل مع باكستان. المعروف أن باكستان تتيح لجماعة «طالبان» الأفغانية، وبخاصة «شبكة حقاني»، ملاذات داخل أراضيها تعمل منها - ذلك أنها تتسلل إلى داخل أفغانستان وتشن هجمات، ثم تعود إلى ملاذاتها الآمنة في باكستان. وقد تورطت «شبكة حقاني»، على وجه التحديد، في إراقة الكثير من دماء الأميركيين والأفغان. ومثلما الحال مع الفساد، تطالب الولايات المتحدة منذ أمد بعيد باكستان بحرمان «طالبان» و«شبكة حقاني» من استغلال ملاذات داخل أراضيها. وقد حاولت إدارتا بوش وأوباما استغلال سبل متنوعة (بما في ذلك المكافآت والعقوبات) لدفع باكستان للاستجابة للمطالب الأميركية - دون جدوى. بالنسبة للباكستانيين، وبخاصة المؤسسة العسكرية والاستخبارات، تمثل الهند دوماً الشغل الشاغل. ويتابع الباكستانيون بقلق الوجود الهندي في أفغانستان، والدور الهندي المتزايد في تطوير البنية التحتية الأفغانية، باعتبار ذلك مصدر تهديد محتمل لهم. وترى المؤسسات الأمنية الباكستانية، أن «طالبان» تبقى حائط صد في مواجهة الهند وأفغانستان.
بيد أن ذلك لا يعني مطلقاً أن الباكستانيين لا يحاربون الإرهاب، أو أنهم لم يسقطوا ضحية لهم على نحو متكرر - فهذا حدث بالتأكيد. إلا أنهم في الوقت ذاته لطالما دعموا جماعات إرهابية ضد الهند، والملاحظ أنهم تورطوا في لعبة مزدوجة فيما يتعلق بـ«طالبان» على وجه التحديد. وربما أبدى الرئيس ترمب صرامة أكبر في خطابه إزاء باكستان؛ ذلك أنه هدد بقطع المساعدات، في الوقت الذي ينظر بإيجابية نحو علاقاتنا مع الهند ودورها في أفغانستان. بيد أن المشكلة تكمن للأسف في أننا نعتمد على باكستان بشدة في جهودنا اللوجيستية داخل أفغانستان، وحال رفض الباكستانيون التعاون معنا، فإن هذا سيزيد تعقيد مهمتنا العسكرية. والأسوأ من ذلك، أنه بدعم من الصين، بما في ذلك استثماراتها الضخمة الجديدة بالبنية التحتية الباكستانية، والأسلوب الذي تنظر به باكستان إلى الهند، فإنه من غير المحتمل أن تذعن إسلام آباد أمام ضغوطنا في قضايا الملاذات الإرهابية.
وليس المقصود هنا طرح انتقادات لتوجه إدارة ترمب. في الواقع، تعكس القرارات التي اتخذها الرئيس الاعتقاد بأنه إذا رحلنا عن أفغانستان، فإن الحكومة الأفغانية ربما لن تتمكن من البقاء وستعود «طالبان» إلى أفغانستان لتخطيط وشن هجمات ضد الولايات المتحدة وحلفائها. وكان ترمب على صواب في اتخاذ قراره الأخير بالنظر إلى هذا البديل المحتمل.
إلا أنه للأسف، فإن الانتصار في أفغانستان لا يبدو قريباً - إضافة إلى أن النجاح ذاته في حاجة إلى تعريفه، ليس باعتباره إنزال هزيمة عسكرية بـ«طالبان»، وإنما حرمانها من القدرة على الفوز ودفعها إلى الاعتراف بأن الوقت قد حان للسعي وراء إقرار تسوية سياسية حقيقية من أجل مستقبل البلاد. بمعنى آخر، لا ينبغي لأحد توقع أن تنسحب أميركا من أفغانستان على امتداد المستقبل القريب.
* خاص بـ«الشرق الأوسط»