نوح فيلدمان
أستاذ القانون بجامعة هارفارد وكاتب بموقع «بلومبيرغ»
TT

تساؤلات متطرفة تثير الغضب

تدين السيناتورة دايان فينستاين بالاعتذار العلني للمرشحة القضائية إيمي كوني باريت؛ إذ أشارت السيناتورة فينستاين خلال جلسات الكونغرس للتصديق على تعيين السيدة باريت في مجلس الشيوخ، إلى صورة نمطية مناهضة للكاثوليكية تعود إلى ما لا يقل عن قرن ونصف في الولايات المتحدة - وهي تتعلق بأن طائفة الكاثوليك غير قادرين على فصل الكنيسة عن الدولة.
وإذا كانت السيناتورة قد سألت المرشحة اليهودية عما إذا كانت سوف تضع إسرائيل قبل الولايات المتحدة، لكان الليبراليون صرخوا مطالبين بدمها. غير أن منهج التساؤل الذي اعتمدته السيناتورة فينستاين، الذي تناولته لجنة أخرى من أعضاء اللجنة الديمقراطيين، ليس أقل من كونه تعبيراً عن التحامل.
وكان فحوى استجواب السيناتورة فينستاين يدور حول أنه لا يمكن الوثوق بالسيدة باريت، بصفتها أكاديمية كاثوليكية، في تطبيق الدستور والقوانين بموضوعية إن صودق على تعيينها في الدائرة السابعة بمحكمة الاستئناف.
وبلغت السيناتورة المخضرمة ذروة الأمر بصورة كلاسيكية من التحيز؛ إذ تساءلت: «لماذا يساور كثيرين منا على هذا الجانب من الاعتقاد ذلك الشعور غير المريح للغاية؟».
بدءاً من عام 1840، ومع الزيادة الكبيرة في هجرة الكاثوليك الآيرلنديين إلى الولايات المتحدة نتيجة للمجاعة الكبرى، شرع البروتستانت الأميركيون في نقل هذه الخصومة الدينية إلى عالم السياسة. وقال التأصيليون إن الكاثوليك لا يمكن أن يكونوا مواطنين صالحين في الجمهورية الجديدة.
وقد أكدت النسخة المختزلة من هذا الرأي أن الكاثوليكية والديمقراطية ضدان لا يتفقان. وعلى غرار الشائعات الكاذبة الحديثة، تأيدت هذه المزاعم من واقع ملاحظة أن الديمقراطية الأوروبية قد تأصلت جذورها في البلدان البروتستانتية.
وبرزت نقطة التحيز المتدنية في عام 1876، عندما ناقش مجلس الشيوخ الأميركي تعديلاً دستورياً مقترحاً يقضي بمنع تمويل المؤسسات «الطائفية»، أي الكاثوليكية. واتسع نطاق التعديل ليخلق حالة من التحيز المناهض للكاثوليكية في الانتخابات الرئاسية وقتذاك. وفي سياق الجدل القائم، قام الجمهوريون (وهو الحزب المناهض للكاثوليكية) بمهاجمة الكنيسة الكاثوليكية، ولمحوا إلى أن المواطن الكاثوليكي الصالح لا يمكن أن يكون مواطناً أميركياً صالحاً.
ولكي نكون منصفين، فمن الممكن تماماً أن تكون السيناتورة فينستاين لا تعرف تفاصيل هذا التاريخ من التحيز. والجهل بذلك ليس عذراً لأحد. فعندما تحاول الشخصيات العامة الاعتذار عن القوالب النمطية المعادية للسامية أو العنصرية من خلال القول إنهم لا يفهمون الآثار المترتبة على ذلك، فإننا لا ننزع لأن نكون متسامحين مع ذلك الادعاء أبداً.
كما أنه لا يمكن الدفاع عن مسار استجواب السيناتورة فينستاين على أساس أن السيدة باريت شاركت ذات مرة في تأليف مقالة أشارت فيها إلى أنه، إذا شعر القاضي الكاثوليكي على نحو تام بأنه غير قادر على التوفيق بين معتقداته الدينية والقانون، فمن المناسب تماماً بالنسبة للقاضي أن يتنحى عن نظر القضية استشعاراً للحرج. وبعبارة أخرى، ترفض السيدة باريت فكرة أن العقيدة الدينية ينبغي لها أن تؤثر على الحكم القانوني.
إن ما يحدث هنا من الناحية السياسية يدور حول رغبة السيناتورة فينستاين وغيرها من الأعضاء الديمقراطيين في أن يلمحوا إلى أن وجود القضاة الكاثوليك يشكل تهديداً على قرار الإجهاض التاريخي في قضية «رو ضد ويد». كما أنهم يحاولون وصم ترشيح السيدة باريت حتى لا يمكن اعتبارها من القضاة المحتمل ترشحهم في المحكمة العليا الأميركية في المستقبل.
ومن ناحية المسألة الاجتماعية، فمن الإنصاف أن نلاحظ أن المحكمة العليا الأميركية تضم خمسة من القضاة الكاثوليك. ومن المثير للدهشة أيضاً ملاحظة أن المفكرين الكاثوليك صاروا طليعة المحافظين القانونيين في العقود الأخيرة.
بيد أن الانتماء الديني ليس مصيراً للقضاء. وقدم القاضي أنتوني كينيدي، الكاثوليكي، أصواتا تاريخية للمحافظة على حق الإجهاض في عام 1992، ومرة أخرى في عام 2016. وهناك قاضية كاثوليكية أخرى هي سونيا سوتومايور، وهي أكثر أعضاء المحكمة تحرراً ومن أقوى مؤيدي حقوق الإجهاض.
والحل هنا هو أن تصنع السيناتورة فينستاين ما صنعه المسؤولون العوام الآخرون عندما أعربوا عن تحيزهم: عليها أن تعترف أن تساؤلاتها لها رجع الصدى القوي مع سياق المناهضة للكاثوليكية، والتراجع عنها وتقديم الاعتذار بشأنها.

* بالاتفاق مع «بلومبيرغ»