نبيل عمرو
كاتب وسياسي فلسطيني
TT

غرينبلات على أبواب غزة

يتفق الفلسطينيون والإسرائيليون على أن المساعي التي يبذلها مبعوثو الرئيس ترمب، لن تؤدي على المدى القريب أو المتوسط، إلى إحداث نقلة ذات شأن على المسار الفلسطيني الإسرائيلي.
كما يتفق الطرفان على الاستفادة من الجهد الأميركي كل من منطلقات وأهداف متباينة، فالإسرائيليون يرون في الغموض الأميركي المقصود تراجعاً عن أمرين كانت الإدارات السابقة تقلق إسرائيل من مواقفها تجاهها.
الأول هو حل الدولتين الذي استبدلت به صيغة عامة هي ما يتفق عليه الطرفان، والثاني يتصل بالاستيطان، الذي يرى الأميركيون استحالة وقفه أو تجميده، كما يرون أنه لم يعد يشكل عقبة أمام جهود إحلال السلام، وهذا الموقف الأميركي الجديد يريح القيادة اليمينية في إسرائيل ويوفر لها مساحات إضافية للتمادي في إنكار حل الدولتين، وتسريع الاستيطان، خصوصاً في الضفة الغربية والقدس الشرقية.
أما الفلسطينيون الذين يواصلون الإعلان عن أنهم ينتظرون مبادرة تاريخية من ترمب، ويراهنون على مزايا الحل الاقتصادي الذي صار المدخل المعتمد من قبل إدارة ترمب، لتحريك مسيرة السلام «التاريخية»، فليس بين أيديهم سوى الانتظار، وهذا حال من لا بدائل لديه.
انخفاض التوقعات من الجهد الأميركي الراهن لا يعني إغفال الجديد في هذا التحرك، مما يجعل الرهان موضوعياً إلى حد ما ولكن على المدى البعيد.
الفلسطينيون يقيمون وزناً لتكثيف المشاورات الأميركية مع العرب، حد إشراكهم بصورة فعالة في مشروع التسوية العتيد، وعلى الرغم من إظهار المخاوف حول التطبيع قبل الحل، فإن دخول العرب على المعادلة أفضل بكثير من استبعادهم، وقد بدا واضحاً، بل وصارخاً الأثر السلبي لهذا الاستبعاد في كل المحاولات الأميركية التي هدفت إلى تحقيق تسوية فلسطينية إسرائيلية.
أما الجديد الثاني الذي ينفذه ميدانياً الآن مدير مشروع ترمب السيد جيسون غرينبلات، فهو الاعتماد النهائي على الحصان الاقتصادي، كي يجر العربة السياسية، وهذا وفق تقديرات الإدارة الأميركية أكثر جدوى وأقل مضاعفات سلبية من جعل العربة السياسية تجر الحصان الاقتصادي، فالإسرائيليون يرحبون بالنهج الأميركي الجديد، والفلسطينيون يستفيدون منه، شريطة أن يقال علناً ورسمياً، «إن الحل الاقتصادي ليس بديلاً عن الحل السياسي».
في الوقت الراهن تبدو أولوية الحل الاقتصادي ملحة في غزة، حيث الحياة بأبسط مقوماتها تغوص في عمق كارثة لا مثيل لها في أي مكان على وجه الأرض.
الأمين العام للأمم المتحدة زار منطقة الكارثة واطلع على فداحة ما يحدث هناك، وخلفه قام مدير المشروع الأميركي غرينبلات بزيارة عمل إلى معابر غزة، وفي برنامجه اللاحق ترتيبات للمعالجة، ستكون ذات طابع تسهيلي اقتصادي تعطي بعض صدقية للتحرك الأميركي، وتؤسس للمسار الاقتصادي الذي سيكون الغزيون وحركة حماس بالذات أول وأكثر المستفيدين منه.
الخلاصة المتفائلة تقول إن الأميركيين يواصلون العمل ويحضرون لمبادرة ويعيدون الموضوع الفلسطيني للتداول، بعد فشل وإهمال سابقين، أما الخلاصة المتشائمة فينتجها عامل الوقت حيث البطء في التقدم سيفتح الأبواب حتماً أمام تطورات على الأرض في المنطقة وحتى في فلسطين وإسرائيل، من شأنها الإطاحة بالحصان الاقتصادي والعربة السياسية، وهذا ما كان يحدث على مدى ما يقارب القرن من الصراع ومحاولات الحل.