يوكن بيتنر
TT

ألمانيا في مواجهة «تويتر»

ربما اقترب هايكو ماس، الوزير الاتحادي للعدالة وحماية المستهلك في ألمانيا، من معرفة الوجهة التي سيفضي إليها الطريق الذي شقه بنياته الحسنة. فبوصفه عضواً في الحزب الديمقراطي الاجتماعي، وحالياً يشغل منصب وزير العدل، فقد أعلن عن خططه الطموحة لتخليص الإنترنت من اللغة البغيضة والمنفرة المستخدمة فيه. فقد أثارت تلك الخطط القلق لدى مستخدمي موقعي «تويتر» و«فيسبوك» في ألمانيا الذين باتوا شبه متأكدين من أنه سيدخل التاريخ كأول سياسي يسدل الستار عن حرية التعبير بمواقع التواصل الاجتماعي في ألمانيا.
وتستهدف خطط ماس - التي ترتكز على تشريع يسمح باتخاذ إجراءات قانونية ضد كل من يوجه إهانات أو سباباً أو يقوم بالتشهير أو يحاول أو يحرض على الفتنة عبر الإنترنت - معالجة الكثير من المشكلات الحقيقية منها الزيادة الكبيرة في عدد جرائم الكراهية التي تستهدف أكثر من مليون مهاجر ولاجئ جديد وصلوا إلى ألمانيا، وانتشار الأخبار الكاذبة التي يرى الوزير الألماني أنها ساعدت في فوز دونالد ترمب في الانتخابات الأميركية. جاءت تلك الخطط بعد فشل الوزير الألماني في الحصول على موافقة شركات التواصل الاجتماعي في ألمانيا على سن قوانين داخلية خاصة بكل شركة والالتزام بها. وعلى الرغم من الوعود التي قطعها موقع «فيسبوك» على نفسه باتخاذ إجراءات صارمة ضد أحاديث الكراهية، يقول ماس إن «فيسبوك» لم يقُم بمحو سوى 39 في المائة من الأحاديث التي يعاقب عليها القانون، فيما لم تتجاوز تلك النسبة في «تويتر» 1 في المائة. وبعد سنوات من المفاوضات أبدى فيها الوزير قدراً من التفهم، يبدو أن صبره قد نفد.
فمؤخراً اقترح الوزير سن قانون يلزم شركات التواصل الاجتماعي بمسح المحتوى الذي يخالف القانون بشكل فج في غضون 24 ساعة من ورود شكوى بخصوصه، وفي حال المخالفات الأقل وضوحاً، فالمهلة تمتد إلى أسبوع. وفي حال عدم التزام الشركة، ستتعرض الشركة لغرامة تصل إلى 50 مليون يورو، أو 55 مليون دولار أميركي. ومن المتوقع أن يصدق البرلمان الألماني على مشروع القانون الجديد قبل تعليق جلساته خلال عطلة الصيف الحالي. لكن رغم أن هذا لا يتعدى كونه مجرد اقتراح حتى الآن، فمن الممكن الشعور بالتأثر البارد لهذا القانون على حرية التعبير، ويقوم «تويتر» حالياً بغلق حساباته في ألمانيا التي تعتبر ضمن الدول الأقل عرضة لرياح الكراهية. ومن ضمن المواقع التي أغلقت موقع @einzelfallinfos الذي دون عبارة تقول «بلاغات الحالات الفردية» ليسخر من الطرح السائد في ألمانيا الذي يقول إن الجرائم التي يرتكبها اللاجئون والمهاجرون في ألمانيا ما هي إلا «حالات فردية»، وهو ما لا يوافق عليه أصحاب تلك الصفحة على الإنترنت. ويرى القائمون على تلك الصفحة أن الاعتداءات الجنسية باتت «متكررة» ضد النساء الألمانيات، وأن مرتكبيها شباب غالبيتهم من أصول عربية. ولذلك يقوم الموقع بنشر محاضر الشرطة تحت عنوان «جرائم ارتكبها مهاجرون ولاجئون وطالبو اللجوء».
وبدءاً من 15 مايو (أيار) الماضي، لم يعد الدخول إلى هذه الصفحة ممكناً في ألمانيا. ولدى سؤالي للقائمين على موقع «تويتر» عن السبب وعن عدد المواقع الأخرى التي تعرضت للغلق، جاء رد المسؤول الإعلامي لـ«تويتر» كالتالي: «نحن لا نعلق على المواقع الشخصية لأسباب خاصة ودواعٍ أمنية»، وعند سؤالي عن تلك الأسباب الخاصة والدواعي الأمنية، كانت الإجابة كالتالي: «هي سياسة الشركة («تويتر») منذ إنشائها، وليست هناك أسباب أخرى».
باعتبارها شركة خاصة، فإن شركة «تويتر» ليست ملزمة بإعطاء أي أسباب لحجبها صفحات المستخدمين في منصتها. ونظرياً، يمكن للشركة أن تفعل ذلك لا لشيء إلا لأنها لا يعجبها وجه شخص معين، لكن بالنسبة لشركة يعتمد عملها على فتح مجال التعبير لأكثر عدد من الناس قدر الإمكان، فإن هذا الاستبداد والإعتام قد يعود عليها بالضرر.
ورغم أن مساحة الحرية المتاحة فيها أقل من الولايات المتحدة، فقد تعرض هامش الحرية المتاح في ألمانيا في مرحلة ما بعد الحرب إلى التقليص بسبب الأحكام الني تصدرها المحاكم هناك. ففي عام 2009، حكمت المحكمة الدستورية التي تعد أعلى سلطة قضائية في ألمانيا بأن حل الجناح اليميني المتشدد في ألمانيا ومنع أصحاب الأفكار النازية من التعبير في حد ذاته أمر لا يتنافى مع الدستور. وعلى النقيض، فقد حكم القضاة بأن الدستور «يعتمد على حرية المواجهة كأكثر الأسلحة تأثيراً في مواجهة الآيديولوجيات الاستبدادية وغير الإنسانية».
لكن «تويتر» يبدو أقل يقيناً، فبسبب ما يواجهه من تهديد بأن يتهم بمسؤوليته عما تحمله منصته من محتويات غير قانونية تحض على الكراهية، فقد اعتمدت الشركة على الحساب والإحصاء. ففي مارس (آذار) الماضي، أعلن الموقع عن تطويره لبرامجه بحيث يحجب المواقع ذات «النهج المؤذي». في الواقع لا نعلم كيف وصلت «تويتر» لهذا القرار خصوصاً أنها لا تكشف عن كيفية تنفيذ ذلك.
أحد الاحتمالات هي أنه عندما يتسبب الموقع في رفع عدد معين من الشكاوى، يقوم الموقع بإغلاق الحساب في صمت. لكن هذا يحمل أخباراً سيئة لـ«تويتر»، لأن المستخدمين سيتجهون على الأرجح إلى منصات بديلة مثل «gab.ai»، وهذا أيضاً ليس بالخبر السار لنا جميعاً، لأنه يخلق فقاعة جديدة في الجو العام المليء بالفلاتر من حولنا بالفعل.
الحقيقة بشأن حرية التعبير في ألمانيا هي أن حدودها تعتمد بدرجة كبيرة على المحتويات بصورة أعقد بكثير من أن تحلها أي عمليات حسابية، ناهيك بتحديد طبيعة المحتوى «غير القانوني» بصورة فجة. فالمحتوى الذي يستوجب العقاب بسبب ما يحويه من إهانة وسباب قد يكون قانونياً لو أنه طرح في قالب ساخر.
إذن ماذا عسى «تويتر» أن يفعل حال وجد نفسه محاصراً بين مطرقة اهتمامات مستخدميه في مناقشات واسعة وسنديان طموحات الوزير اليساري، بكل ما يحمله من توجيهات آيديولوجية يمكن اختزالها بالمناهضة لحرية التعبير؟
بدلاً من رفع الجسر المتحرك أو الاعتماد مجدداً على الحسابات وأسلوب العد، يمكن لـ«تويتر» استئجار جيش من الموظفين المدربين للتعامل مع مئات الآلاف من الحالات المتنازع بشأنها، وسيكون هناك محكمة عامة للرجوع إليها كملاذ أخير. لذلك، إن أراد «تويتر» المحافظة على وضعه المتميز كسوق حرة لجميع الآراء والأفكار، عليه أن يستثمر فيما لديه من موظفين لصيانة كيانه، وحينئذ سيتمكن من إدارة منصة نقاشات منظمة ومفتوحة بالفعل.
*بالاتفاق مع «بلومبيرغ»