علي المزيد
كاتب وصحفي سعودي في المجال الاقتصادي لأكثر من 35 عاما تنوعت خبراته في الصحافة الاقتصادية وأسواق المال. ساهم في تأسيس وإدارة صحف محلية واسعة الانتشار والمشاركة في تقديم برامج اقتصادية في الإذاعة السعودية، ومدير التحرير السابق لصحيفة الشرق الأوسط في السعودية وهو خريج جامعة الملك سعود.
TT

تعليم نوعي

الحياة تقوم على العلم، والعلم أهم رافد من روافد الحياة يمنحها الاستمرارية والتطور والتقدم. في العالم يتعلمون ما يحتاجون إليه، فتجد الجامعات العالمية تقدِّم فرداً يحتاج إليه سوق العمل، بينما في جامعاتنا العربية التعليم نظري ومخرجات الجامعات العربية في معظمها لا تتناسب مع سوق العمل، وإذا قدمت خريجاً يناسب سوق العمل فإنه في الأغلب يكون ناقص الأدوات، فمثلاً كانت الجامعات في دمشق تعرّب كل شيء بما في ذلك علوم الطب والهندسة والصيدلة. ولن أطيل عليكم، بل سأحدثكم عن تجربة شخصية شاهدتُها، فقد التحقتُ بدورة لتعلم اللغة الإنجليزية ينظمها المركز الثقافي البريطاني بمدينة الرياض، وهي برسوم عالية، فوجدت في الدورة مهندسين من سوريا ومهندس من مصر وقاضياً من الرياض، وأنا حينما رأيتُ هذه الخلطة عرفتُ أننا جميعاً ضحايا التعليم العربي.
أبديتُ استغرابي للمهندسين السوريين والمهندس المصري لعدم معرفتهم اللغة الإنجليزية، مع العلم بأنه رسخ في ذهني أن خريجي الكليات العلمية لا بد أن يتحدثوا اللغة الإنجليزية لأن جزءاً كبيراً من مناهج هذه الكليات يُدرَس باللغة الإنجليزية، وكنت لا أعتب على التعليم الذي أحوَجَني لتعلم اللغة خارج الكلية، لأنني خريج كلية نظرية هي كلية الآداب قسم الإعلام، ونهاية النقاش عرفنا أننا جميعاً ضحايا هذا التعليم.
يتفلسف أساتذة الجامعات بأن هدف الجامعات هو التعليم لأجل التعليم وليس لأجل التوظيف، وهذه الفلسفة عفّى عليها الزمن، لأن التعليم يجب أن يتوافق مع حاجات المجتمع. ولن أعوّل كثيراً على الجامعات الحكومية للتكيف مع حاجات المجتمع، ولكني سأعول كثيراً على الجامعات الأهلية بأن تتوافق مع حاجات المجتمع فتفتح أقساماً يجد خريجوها وظيفة بدلاً من أن يكونوا رقماً يضاف إلى خانة البطالة.
في السعودية بدأ أسلوب جديد أعجبني كثيراً، يتمثل في برنامج «بعثتك وظيفتك»، وتتلخص فكرة البرنامج بأنك لا تبتعث أي طالب إلا وقد حجزت له مقعداً وظيفياً، أي أن الطالب يدرس احتياجات الوظيفة، الأمر الذي يمكِّنه من القيام بواجباتها على أكمل وجه، ورغم محدودية هذا البرنامج، فإنه خطوة في الاتجاه الصحيح.
في نظري، يجب على الحكومات والمفكرين أن يعيدوا النظر في مناهج التعليم، وأن يبتعدوا عن التعصب للغتهم، ويدرسوا مناهجهم بلغة العصر لنلحق بركب الحضارة، بدلاً من أن نخرِّج طلبة يكون عملهم على مقاهي الأرصفة بدلاً من المعامل.
في الاقتصاد، العنصر البشري أهم ركائز الإنتاج، ولكن القطاع الخاص لا يوظف إلا من يستفيد منه، فهو ليس دار رعاية اجتماعية أو جهة حكومية تكون بها البطالة المقَنَّعة أكثر من القوى العاملة فعلاً. إن امتلاك أدوات البحث، مثل اللغة والحاسب، يمكِّنان الفرد من تطوير ذاته حتى ولو في المنزل، فإذا علمت مدارسنا وجامعاتنا الطلبة مثل هذه الأدوات واستبدلت بطريقة الحفظ الببغائي السائدة في مدارسنا طريقةَ التفكير والبحث، فإننا سنتقدم.