مركز بريطاني لأبحاث اللقاحات تأهباً لـ«المرض X»

صورة مجهرية أتاحها المعهد الوطني الأميركي للصحة لفيروس «كورونا» المستجد «سارس - كوف - 2» المشار إليه باللون الأصفر الخارج من سطح الخلايا (أ.ب)
صورة مجهرية أتاحها المعهد الوطني الأميركي للصحة لفيروس «كورونا» المستجد «سارس - كوف - 2» المشار إليه باللون الأصفر الخارج من سطح الخلايا (أ.ب)
TT

مركز بريطاني لأبحاث اللقاحات تأهباً لـ«المرض X»

صورة مجهرية أتاحها المعهد الوطني الأميركي للصحة لفيروس «كورونا» المستجد «سارس - كوف - 2» المشار إليه باللون الأصفر الخارج من سطح الخلايا (أ.ب)
صورة مجهرية أتاحها المعهد الوطني الأميركي للصحة لفيروس «كورونا» المستجد «سارس - كوف - 2» المشار إليه باللون الأصفر الخارج من سطح الخلايا (أ.ب)

كشفت الحكومة البريطانية عن تأسيس منشأة لأبحاث اللقاحات على أحدث طراز؛ حيث سيعمل العلماء على ضمان السيطرة على الأوبئة في المستقبل في مساراتها، وعدم تسببها في نفس الاضطراب في الحياة اليومية مثلما حدث في «كوفيد - 19».

وكشفت صحيفة «إندبندنت» البريطانية في تقرير اليوم (الاثنين) أن مركز تطوير وتقييم اللقاحات (في دي إيه سي) يقام في جامعة العلوم وتكنولوجيا الدفاع التابع لوكالة الصحة والأمن في المملكة المتحدة بالقرب من سالزبري في مقاطعة ويلتشير. ومن المتوقع أن يجري الاحتفاظ بالفيروسات الحية في المنشأة في مرافق احتواء متخصصة، حيث يعمل الباحثون حول مسببات الأمراض التي ليس لديها لقاح بعد، أو على تطوير التحصين منها، مثل الإنفلونزا أو الجدري أو فيروس هانتا.

وفي مكان آخر، سيختبر العلماء لقاحات «كوفيد - 19» الناشئة على متغيرات جديدة، وأمراض مستهدفة مثل السل، ويقومون حالياً بإجراء تجارب سريرية للمرحلة الأولى على أول لقاح محتمل في العالم ضد حمى «القرم – الكونغو» النزفية، وهي فيروس ينتقل عن طريق القراد، وهو يؤدي إلى الوفاة في نحو 30 في المائة من الحالات.

قالت البروفيسور دام جيني هاريز، الرئيس التنفيذي لوكالة الصحة والأمن في المملكة المتحدة: «ما نحاول القيام به الآن هو التقاط هذا العمل الممتاز حقاً من تجربة (كوفيد)، والتأكد من أننا نستخدم ذلك في حين نمضي قدماً في مواجهة أي تهديدات وبائية جديدة».

ومن المتوقع أيضاً أن تساعد المنشأة الجديدة المملكة المتحدة في معالجة «المرض X» من خلال تعزيز التأهب لمسببات الأمراض التي لم يجرِ تحديدها بعد مع إمكانية حدوث جائحة. وسيبحث العلماء في الفيروسات والبكتيريا التي يعرفون بالفعل أنها تشكل تهديداً، ويقيمون فاعلية اللقاحات الموجودة ضدها.

وتقول هاريز إن مصطلح «المرض (X) مطبق علمياً؛ لأن العلماء (لا يعرفون ما هو العامل الممرض التالي الذي سيسبب وباءً)، لكنهم قالوا إن المملكة المتحدة بحاجة إلى أن تكون جاهزة». وأضافت: «لا نعرف ما هو، ولكن يمكننا الاستعداد لبعض عائلات الفيروس. يمكننا التخمين قليلاً؛ ويمكننا النظر في تغيير علم الأوبئة لمختلف الفيروسات، ويمكننا النظر في تغير المناخ والبدء في التقدير، لكننا لن نعرف أبدًا 100 بالمائة».

وتتابع الباحثة البريطانية: «ما نحاول القيام به هنا هو مراقبة الأشخاص الذين نعرفهم. على سبيل المثال مع (كوفيد - 19)، ما زلنا هنا نختبر جميع المتغيرات الجديدة مع اللقاحات التي جرى توفيرها للتحقق من أنها لا تزال فعالة».

«يعمل المركز البريطاني على دراسة سرعة تطوير اختبار جديد في حال ظهوره»

البروفيسور دام جيني هاريز الرئيس التنفيذي لوكالة الصحة والأمن في المملكة المتحدة

وتقول الباحثة: «ندرس أيضاً مدى السرعة التي يمكننا بها تطوير اختبار جديد يمكن استخدامه في حالة ظهور فيروس جديد تماماً في مكان ما».

يأتي إطلاق المركز بعد نشر وكالة الصحة والأمن في المملكة المتحدة استراتيجية لمدة ثلاث سنوات، توضح كيفية الاستعداد للمخاطر المستقبلية والاستجابة لها، والتي تشمل تحسين النتائج الصحية عبر اللقاحات.
وكان قد تم تسليط الضوء على استعداد المملكة المتحدة لمواجهة الوباء في وقت سابق من هذا الصيف كجزء من جلسات الاستماع العامة الأولى في تحقيق حول «كوفيد - 19».
ونشرت الصحيفة البريطانية أن الحكومات السابقة قد ركزت كثيراً على الاستعداد لوباء الإنفلونزا بدلاً من الأنواع الأخرى من مسببات الأمراض، مع اعتراف رئيس الوزراء السابق ديفيد كاميرون بأن ذلك كان «خطأً».

وفي سياق متصل، تقول البروفيسور إيزابيل أوليفر، كبير المسؤولين العلميين في وكالة الصحة والأمن في المملكة المتحدة: «نحن نعلم أنه من خلال التقدم العلمي، يمكننا اكتشاف هذه الفروق والتحكم فيها قبل أن يكون لها تأثير على حياتنا. هذا ليس بالأمر السهل، لكننا نعلم أنه إذا عززنا المراقبة، وإذا سرّعنا تطوير التشخيصات واللقاحات والعلاجات، يمكننا أن نفعل ما هو أفضل بكثير». وتابعت: «نحن بحاجة إلى أن نكون مستعدين لجميع التهديدات، ومنها التي لم يجرِ اكتشافها بعد».

ومن المتوقع أن يعزز المركز الجديد أيضاً مساهمة المملكة المتحدة في «مهمة الـ100 يوم»، وهو الهدف العالمي الذي حددته مجموعة الدول السبع في عام 2021 بهدف نشر لقاح ضد أي تهديد وبائي جديد في غضون 100 يوم من تحديده.

وتقول أوليفر إنها «فخورة بتبني المملكة المتحدة هذه المهمة، وقالت إننا بحاجة إلى أن نكون في (طليعة) التطورات. لا يتعلق الأمر بالبقاء حيث نحن، إنه يتعلق بمواصلة التقدم والتطور».

إضافة إلى ذلك، قال وزير الصحة ستيف باركلي: «هذا المركز الجديد يعزز مكانة المملكة المتحدة العالمية في قيادة التأهب لمواجهة الأوبئة وتطوير اللقاحات والاكتشافات العلمية. يوجد المئات من كبار العلماء في العالم بالفعل في المركز يعملون على لقاحات ضد التهديدات الصحية العالمية المحتملة لحماية المملكة المتحدة، وإنقاذ الأرواح في جميع أنحاء العالم».

وتابع باركلي: «سيساعدنا هذا المركز الحديث أيضًا على الوفاء بالتزامنا بإنتاج لقاحات جديدة في غضون 100 يوم من تحديد تهديد جديد».

وأكدت جانيت فالنتين، المديرة التنفيذية للابتكار وسياسة البحث في رابطة صناعة الأدوية البريطانية، أن جائحة «كوفيد - 19» «علمتنا أنه من خلال التدخلات غير العادية والتضحيات العامة يمكننا إبطاء انتشار الفيروس، ولكن ليس وقف العدوى». وأضافت: «لقد جاء ذلك بتكلفة اقتصادية وشخصية ضخمة». «لكن الدرس الأكثر أهمية المستفاد هو أن الطريقة الوحيدة للتغلب على الوباء هي من خلال البحث عن لقاحات وعلاجات جديدة وتقديمها، وكلما كان ذلك أسرع كان أفضل».


مقالات ذات صلة

أطعمة تقلل من خطر الإصابة بـ14 نوعاً مختلفاً من السرطان

صحتك استهلاك الأطعمة التي تحتوي على «أوميغا 3» و«أوميغا 6» مثل الأسماك الزيتية يقلل معدل خطر الإصابة بالسرطان (جمعية الصيادين الاسكوتلنديين)

أطعمة تقلل من خطر الإصابة بـ14 نوعاً مختلفاً من السرطان

وجدت دراسة أن استهلاك «أوميغا 3» و«أوميغا 6»، وهي الأحماض الدهنية التي توجد في الأطعمة النباتية والأسماك الزيتية، قد يؤثر على معدل خطر الإصابة بالسرطان.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
يوميات الشرق الغضب لا يزال يشكل حافزاً مهماً للنجاح في العالم الحديث (رويترز)

الأشخاص الغاضبون «أكثر ميلاً للنجاح»... كيف؟

كشف أحد علماء الأعصاب أن الأشخاص الغاضبين أكثر ميلاً للنجاح، وقال الدكتور جاي ليشزينر إن الشعور بالغضب قد يكون «محركاً مهماً» للنجاح في العالم الحديث.

«الشرق الأوسط» (لندن)
العالم صورة تحت المجهر الإلكتروني والتي قدمها المعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية في عام 2024 لجزيئات فيروس جدري القردة باللون البرتقالي الموجودة داخل الخلايا المصابة باللون الأخضر (أ.ب)

كندا ترصد أول إصابة بسلالة فرعية من جدري القردة

أكدت وكالة الصحة العامة الكندية أمس (الجمعة) رصد أول حالة إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة في كندا لدى شخص في مانيتوبا.

«الشرق الأوسط» (مونتريال)
المشرق العربي فلسطيني يحمل طفلة صغيرة مصابة داخل مستشفى كمال عدوان في قطاع غزة (أ.ف.ب)

وزارة الصحة: كل مستشفيات غزة ستتوقف عن العمل خلال 48 ساعة

حذرت وزارة الصحة في قطاع غزة من توقف جميع مستشفيات القطاع عن العمل أو تقليص خدماتها خلال 48 ساعة بسبب نقص الوقود، إذ ترفض إسرائيل دخوله للقطاع.

«الشرق الأوسط» (غزة)
صحتك سمنة البطن مع وزن طبيعي للجسم... مشكلة صحية تستدعي الاهتمام

سمنة البطن مع وزن طبيعي للجسم... مشكلة صحية تستدعي الاهتمام

تعتمد الأوساط الطبية بالعموم في تحديد «مقدار وزن الجسم» على عدد الكيلوغرامات بوصفه «رقماً»

د. حسن محمد صندقجي (الرياض)

الصداع النصفي: خيارات العلاج المستهدف

الصداع النصفي: خيارات العلاج المستهدف
TT

الصداع النصفي: خيارات العلاج المستهدف

الصداع النصفي: خيارات العلاج المستهدف

الصداع النصفي ليس مجرد صداع عادي يعاني منه الجميع في وقتٍ ما، بل هو اضطراب عصبي معقد يمكن أن يُشعر المريض وكأن العالم قد توقف. مع كل نوبة، قد يبدو الألم لا يُطاق، مُصاحباً بأعراض شديدة كالغثيان والحساسية للضوء والصوت. وعلى الرغم من أن أعراض الصداع النصفي مؤقتة، فإن مدة ألم الصداع يمكن أن تجعل المريض يشعر باليأس وكأن الحياة قد انتهت.

ولكن ومع التطورات الطبية الحديثة، بدأت تظهر خيارات علاجية تُعيد الأمل لملايين المرضى حول العالم تتحكم في الصداع النصفي فور حدوثه ومنعه من التدخل في النشاط اليومي للمريض.

مؤتمر طبي

نظّمت الجمعية السعودية لطب الأسرة والمجتمع، يوم الثلاثاء، 19 نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، مؤتمراً طبياً بعنوان «نهج جديد في علاج الصداع النصفي» (NEW APPROACH in MIGRAINE TREATMENT). وعُقد المؤتمر بالتعاون مع المركز الطبي الدولي وشركة «Abbvie» الطبية، وقام ملتقى الخبرات بتنظيمه.

غلاف كتيّب المؤتمر

شاركت في المؤتمر نخبة من المتخصصين، إذ قدّم الدكتور سعيد الغامدي، استشاري الأعصاب بمستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث بجدة، وأستاذ مساعد في جامعة الملك سعود بن عبد العزيز للعلوم الصحية، عرضاً حول خيارات العلاج المستهدف للصداع النصفي من خلال التجارب السريرية.

كما تناولت الدكتورة ميساء خليل، استشارية طب الأسرة ومتخصصة في الرعاية الوقائية وطب نمط الحياة، أهمية دور الرعاية الأولية في التعامل مع الصداع وعبء الصداع النصفي على عامة السكان.

واختتم الجلسات الدكتور وسام يمق، استشاري الأعصاب ومتخصص في علاج الصرع، بتسليط الضوء على الاحتياجات غير الملباة في العلاجات الحادة للصداع النصفي.

اضطراب عصبي شائع

في حديث خاص مع «صحتك»، أوضح الدكتور أشرف أمير، استشاري طب الأسرة، نائب رئيس الجمعية السعودية لطب الأسرة والمجتمع، ورئيس المؤتمر، أن الصداع النصفي (الشقيقة) يُعد من أكثر الاضطرابات العصبية شيوعاً على مستوى العالم. وأشار إلى أنه اضطراب عصبي معيق يُصيب نحو مليار شخص عالمياً، يتميز بنوبات من الألم الشديد النابض، غالباً في أحد جانبي الرأس، وترافقه أحياناً أعراض مثل الغثيان، التقيؤ، والحساسية الشديدة للضوء والصوت، مما يؤثر بشكل كبير على حياة المرضى اليومية.

وأكد الدكتور أمير أن الصداع النصفي يؤثر على أكثر من عُشر سكان العالم، مما يجعله إحدى أكثر الحالات انتشاراً، والتي تنعكس سلباً على جودة حياة المصابين، إضافة إلى تأثيره الواضح على الإنتاجية وساعات العمل.

وأضاف أن التطورات الحديثة في مجال الأبحاث الطبية أسهمت في فهم أعمق لآلية حدوث الصداع النصفي، وهو ما فتح الباب أمام تطوير علاجات مبتكرة وفعّالة. كما أشار إلى أن هذا التقدم يمثل تحولاً كبيراً في التعامل مع هذا الاضطراب، الذي كان يُعدُّ في السابق حالة مرضية غامضة يصعب تفسيرها أو السيطرة عليها.

وبائيات الصداع النصفي

يعاني أكثر من مليار شخص حول العالم من الصداع النصفي، أي حوالي 11.6 في المائة من سكان العالم. وتظهر الدراسات أن النساء أكثر عُرضة للإصابة به مقارنةً بالرجال.

وفي منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ترتفع النسبة إلى 11.9 في المائة. أما في السعودية، فيُقدَّر انتشار الصداع النصفي بـ9.7 في المائة، أي ما يعادل 3.2 مليون شخص، مما يجعله ثاني أكبر سبب للإعاقة بين السكان. وتُشير دراسات محلية، أُجريت في منطقة عسير، إلى أن الصداع النصفي أكثر انتشاراً في المدن (11.3 في المائة) مقارنة بالمناطق الريفية (7.6 في المائة)، وهو ما يعكس ارتباطه بعوامل بيئية وسلوكية متعددة.

عوامل الخطر والأسباب

* الآلية المرضية يُعتقد أن الصداع النصفي ينشأ من تفاعل معقد بين العوامل الوراثية والبيئية والعصبية. وتُشير الدراسات الحديثة إلى أن نوبات الصداع النصفي قد تنشأ من فرط استثارة في قشرة الدماغ، ما يؤدي إلى تنشيط الجهاز العصبي الثلاثي. ويمكن لبعض المُحفّزات، مثل التقلبات الهرمونية، الإجهاد، نقص النوم، والعوامل الغذائية، أن تُساهم في بدء نوبات الصداع النصفي لدى بعض الأفراد المُعرضين لذلك.

أما أسباب الصداع النصفي فتتضمن عوامل متعددة تشمل:

* العامل الجيني: تلعب الوراثة دوراً مهماً في زيادة احتمال الإصابة بالصداع النصفي، إذ تشير الأبحاث إلى ارتباط الجينات ببعض البروتينات العصبية مثل «الببتيد» المرتبط بجين «الكالسيتونين» (Calcitonin Gene-Related Peptide, CGRP).

* التغيرات في الدماغ: تساهم بعض الاضطرابات في نظام التفاعل بين الأوعية الدموية والجهاز العصبي المركزي في زيادة احتمال الإصابة.

* العوامل البيئية: يمكن أن تؤدي التغيرات البيئية مثل التوتر، أو النوم غير المنتظم، أو بعض أنواع الأطعمة والمشروبات إلى تحفيز النوبات.

مراحل الصداع النصفي والتشخيص

* مرحلة البادرة (Prodrome): تبدأ بتغيرات مزاجية، شعور بالتعب، أو حتى رغبة ملحة في تناول الطعام.

* مرحلة الهالة (Aura): تشمل اضطرابات بصرية أو حسية تحدث قبل نوبة الصداع، وتظهر لدى بعض المرضى فقط.

* مرحلة الألم: يصاحبها ألم شديد نابض، غالبًا في جهة واحدة من الرأس، وتستمر من 4 إلى 72 ساعة.

* مرحلة ما بعد الألم (Postdrome): تتسم بالإرهاق والارتباك، لكنها تُعد علامة على انتهاء النوبة.

* التشخيص: يعتمد أساساً على التاريخ المرضي والفحص السريري، مع استبعاد الأسباب العضوية الأخرى. وتشمل المعايير التي يعتمد عليها الأطباء في التشخيص حدوث خمس نوبات على الأقل متكررة من الصداع، تدوم بين 4 و72 ساعة، ومصحوبة بعلامتين من العلامات التالية: ألم من جهة واحدة، نبضات شديدة، ألم شديد، وأعراض مصاحبة كالغثيان.

خيارات علاجية تقليدية وحديثة

وتشمل:

* أولاً: مسكنات الألم. تاريخياً، اعتمدت إدارة الصداع النصفي على مزيج من العلاجات الحادة والوقائية، بما في ذلك مسكنات الألم المتوفرة بدون وصفة طبية، ومضادات المهاجمات، والأدوية الوقائية مثل مضادات الاكتئاب، ومضادة للصرع، وحقن البوتكس. وعلى الرغم من أن هذه العلاجات وفرت الراحة لكثير من المرضى، فإنها محدودة في فاعليتها ولا تخلو من الآثار الجانبية.

* ثانياً: خيارات علاجية «دوائية» حديثة. تؤكد الأبحاث العلمية أن تصميم عقار موجه خصيصاً لعلاج مرض معين يُعد الخطوة الأمثل لتحقيق فاعلية أعلى وتقليل الآثار الجانبية. ودفع هذا المبدأ الباحثين إلى الغوص عميقاً في دراسة آليات الصداع النصفي، ما قادهم لاكتشاف دور بروتين محدد يُعرف بـ«CGRP». ويُطلق هذا البروتين أثناء نوبة الصداع النصفي وينخفض مستواه بمجرد انتهاء النوبة.

في إحدى الدراسات، عندما تم حقن الأشخاص ببروتين (CGRP)، أُصيبوا بنوبات تُشبه الصداع النصفي، ما أكد دوره الحاسم في هذه الحالة. وأدى هذا الاكتشاف إلى تحول جذري في علاج الصداع النصفي، إذ تمت الموافقة في عام 2018 من قبل إدارة الغذاء والدواء الأميركية على أول جسم مضاد أحادي النسيلة يستهدف البروتين (CGRP) للوقاية من الصداع النصفي. ويعدُّ هذا العلاج المبتكر خياراً مستهدفاً ودقيقاً، إذ يعمل على تعطيل مسار البروتين العصبي المسؤول عن نوبات الصداع النصفي، مما يمثل نقلة نوعية في تحسين حياة المرضى.

وتشمل هذه الأدوية:

- أجسام وحيدة النسيلة مضادة للببتيد المرتبط بجين الكالسيتونين (CGRP)، تمت الموافقة على أربعةٍ منها من قبل إدارة الغذاء والدواء: «إبتينيزوماب» (eptinezumab)، «إرينوماب» (erenumab)، «فريمانيزوماب» (fremanezumab)، و«جالكانيزوماب» (galcanezumab). وقد تم تصميمها للعثور على بروتينات (CGRP)، وقد أظهرت فاعليتها في تقليل شدة وتكرار النوبات، سواء أُعطيت عن طريق الفم أو الحقن تحت الجلد، مع حد أدنى من الآثار الجانبية مقارنة بالعلاجات الوقائية التقليدية.

- أجسام وحيدة النسيلة مضادة لمستقبلات الببتيد المرتبط بجين الكالسيتونين (CGRP). تحتضن هذه الأجسام المستقبلات بشكل أساسي بحيث تكون غير نشطة، هما اثنتان: «أبروجيبانت» (Ubrogepant) و«ريميجيبانت» (rimegepant)، وهما أحدث العقاقير لعلاج الصداع النصفي عند الحاجة والتي لا تؤدي إلى تضييق الأوعية الدموية. تعمل هذه الأدوية عن طريق الفم على حظر مستقبلات (CGRP) على أمل إيقاف نوبة الصداع النصفي المستمرة بالفعل. ومن حسنات هذه الأدوية أن ليس لها خطر الإصابة بالصداع الناجم عن الإفراط في تناول الأدوية مثل بعض علاجات الصداع النصفي الأخرى.

نظم الذكاء الاصطناعي وأدوات الصحة الرقمية تسهم في تحسين دقة التشخيص وإدارة المرض

علاجات بلا أدوية

* ثالثاً: خيارات علاجية «غير دوائية»، وتضم:

- أجهزة التعديل العصبي القابلة للارتداء. تُعد هذه الأجهزة طريقة علاجية مبتكرة لعلاج الصداع النصفي، إذ تستخدم نبضات كهربائية أو مغناطيسية إلى الرأس أو الرقبة أو الذراع لتعديل نشاط المسارات العصبية المحددة المشاركة في آلية حدوث الصداع النصفي، تعمل على إعادة النشاط الكهربائي غير الطبيعي في الدماغ إلى طبيعته.

وقد أثبتت الدراسات أن استخدام هذه الأجهزة، المعتمدة من قبل إدارة الغذاء والدواء أظهر نتائج واعدة في إدارة الصداع النصفي الحاد والوقائي، مما يوفر بديلاً خالياً من الأدوية، وهي آمنة وآثارها الجانبية قليلة جداً.

- استخدام الذكاء الاصطناعي. أسهم الذكاء الاصطناعي في تحسين دقة التشخيص عن طريق تطوير خوارزميات تستطيع تحليل التاريخ المرضي وبيانات المرضى لتحديد الأشخاص الأكثر عرضة للإصابة بالصداع النصفي، مما يساعد في توفير علاجات موجهة وفعالة.

- أدوات الصحة الرقمية. بالإضافة إلى العلاجات الدوائية والقائمة على الأجهزة، أدت الصحة الرقمية إلى تطوير تطبيقات الهواتف المحمولة والتقنيات القابلة للارتداء التي يمكن أن تساعد في إدارة الصداع النصفي. يمكن لهذه الأدوات الرقمية مساعدة المرضى في تتبع أعراضهم، وتحديد المُحفّزات، وتقديم توصيات مخصصة للتعديلات في نمط الحياة وأساليب العلاج.

تعاون عالمي ومحلي

مع التطورات العلمية الحديثة في فهم آلية حدوث الصداع النصفي وتطوير خيارات علاجية مبتكرة، لم يعد الصداع النصفي حُكماً على حياة المرضى بالتوقف.

وتلعب الجمعيات الطبية والهيئات الصحية، مثل الجمعية السعودية للصداع، دوراً محورياً في تحسين حياة المرضى من خلال التوعية، وتوفير خيارات علاجية موجهة.

ويبدأ الحل بالبحث عن العلاج المناسب وعدم تجاهل هذه الحالة العصبية المعقدة. ومع الاستمرار في الابتكار، يمكننا تخفيف العبء وتحقيق جودة حياة أفضل للمرضى.

*استشاري طب المجتمع