د. محمد النغيمش
كاتب كويتي
TT

«البيتزا» ومؤشرات الكوارث!

استمع إلى المقالة

أثبتت الأزمات أنه كلما طلبت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) أعداداً هائلة من البيتزا في أوقات متأخرة من اليوم، كان ذلك مؤشراً على أن حدثاً جيوسياسياً يلوحُ بالأفق. قبيل هجوم الكيان الإسرائيلي على إيران في 13 يونيو (حزيران) 2025، لوحظ ارتفاع ما يسمى بـ«مؤشر بيتزا البنتاغون» بشكل يفوق المعدل الطبيعي.

تاريخياً، تبين أنه في الأول من أغسطس (آب) 1990 طلبت الاستخبارات الأميركية رقماً قياسياً من البيتزا، وبعد ساعات حدث الغزو العراقي للكويت. وتكرر الأمر قبيل عاصفة الصحراء، وغزو بنما عام 1989، وأزمة القرم، والانسحاب من كابل، وغيرها. ولذلك قال مراسل لـ«سي إن إن» في البنتاغون مازحاً: «الخلاصة للصحافيين: راقبوا البيتزا دائماً».

تعود فكرة المؤشر إلى الحرب الباردة حينما كان جواسيس الاتحاد السوفياتي -قبل سقوطه- يراقبون طلبات توصيل البيتزا الليلية في واشنطن باعتبارها مؤشراً إلى استعدادات عسكرية وشيكة.

حاول مسؤولون من البنتاغون نفي تلك المعلومات على اعتبار أن مبناهم يزخر بخيارات طعام واسعة، لكن أحد الحسابات في منصة «إكس» يصر على رصد طلبات البيتزا طوال العام من البيانات المفتوحة كـ«خرائط غوغل» وغيرها، ثم تتلقف أخباره الصحافة العالمية.

درسنا في الاقتصاد مؤشرات عديدة يزخر بها هذا العلم الذي له فضل على الحياة السياسية والاجتماعية. فيمكن من خلال مؤشراته توقع قدوم أزمات كبرى أو مخاطر مرتبطة بسلوكيات الناس. هناك مثلاً ما يسمى بـ«مؤشر بيغ ماك»، ابتكرته مجلة «الإيكونوميست» عام 1989 ثم ذاع صيته، حيث يقيس القوة الشرائية للعملات. فإذا كان سعر شطيرة «ماكدونالدز» أرخص في بلدك فعلى الأرجح أن عملتها ضعيفة.

هناك أيضاً مؤشر نفقات القهوة، ومؤشر سعر الآيفون، ومؤشر تنانير النساء، ومؤشر أحمر الشفاه. فالأول يقيس رفاهية الموظفين، والثاني يعكس قدرة الشراء التقنية، والثالث يرتبط بثقة المستهلك تجاه المستقبل أي إن التنانير القصيرة تعكس فترات ازدهار، والطويلة أوقات التراجع. أما الرابع فيرتفع عادةً في الأزمات، باعتبار أحمر الشفاه يعكس رفاهية بسيطة في الأزمات «لإرضاء النفس».

وفي عالم المال، تراقب البنوك المركزية المصارف من خلال مؤشرات عديدة تكشف عن مدى صحة المصرف أو مدى اقترابه من كارثة اقتصادية. وهناك مؤشرات أخرى مثل مدى «الملاءة المالية»، ومؤشر أسعار المنازل، ومؤشر حركة الزبائن Retail Footfall الذي يقيس عدد الزوار الفعليين للمتاجر، لمعرفة الطلب الحقيقي في السوق.

وفي الإدارة مؤشرات عديدة، منها إذا ارتفع معدل «تسرب الموظفين» فقد ينم ذلك عن خلل في الإدارة الجديدة، أو آلية احتواء العاملين، أو قد يشير إلى تداعيات تقشف مالي.

رغم كل هذه المؤشرات وتداعيات تجاهلها، يستغرب المرء كيف يمكن اتخاذ قرارات تمس قطاعاً عريضاً من الناس من دون استشارة المختصين. ونحن بحاجة لفتح باب البيانات على مصراعيه لظهور مؤشرات جديدة.

جودة المؤشرات تتفاوت، وحتى أفضلها ليست كافية من دون قرائن ومعلومات تعين متخذ القرار على فهم المشهد قبل إصدار قرارات جوهرية يدفع الجميع ثمنها.