دعوني أحدثكم عن ألكسندر كلاب، الصحافي الشاب المقيم في أثينا، والذي فاز بعدة جوائز صحافية دولية، بما في ذلك «جائزة مركز بوليتزر للصحافة المبتكرة». بعد تركيزه الأوليّ على أوروبا الشرقية، عمل بصورة متزايدة على كشف الفساد والجريمة المنظمة والحقيقة حول إدارة النفايات في جميع أنحاء العالم. ويُلقي كتابه القادم بعنوان «حروب النفايات: الصفقات القذرة، والمنافسات الدولية، والحياة الآجلة الفاضحة للنفايات»، نظرة فاحصة على الكيفية التي كان بها الغرب يُصدر مشاكله الهائلة ذات الصلة بالنفايات إلى البلدان الأكثر فقراً، حيث يسمم مجتمعات بأكملها. وهو يرسم نظاماً نحن جميعاً - كثيرون منا عن غير قصد - جزء منه ويسمم مجتمعنا والعالم.
في مقاله الأخير في صحيفة «نيويورك تايمز» بعنوان «القصة التي رويت لكم عن إعادة التدوير كاذبة»، يكشف كيف تمكّنا من غض الطرف عن المشكلة العميقة الجذور، المتمثلة في الإفراط في الاستهلاك، من خلال تصدير عواقبها السلبية تحت عباءة «إعادة التدوير». وكما يقول كلاب: «نحن نرسل نفاياتنا إلى الجانب الآخر من الكوكب؛ ليس فقط لأننا ننتج الكثير جداً منها، وإنما أيضاً لأننا نُصر على بيئة خالية تماماً من آثار أقدامنا المادية». فقد أطلق الرئيس الكيني السابق دانييل آراب موي عليها وصف «إمبريالية القمامة»، وكان من المفترض أن تعمل اتفاقية بازل في عام 1992 على جعل نقل النفايات السامة إلى البلدان الأكثر فقراً غير قانوني. ومن خلال وصف هذا النقل بأنه «إعادة تدوير»، تكون الدول الغنية المنتجة للنفايات قد تحايلت تماماً على النظام بأكمله.
وقد سافر كلاب حول العالم للتحقيق بشكل مباشر في الموضع الذي تنتهي إليه النفايات البلاستيكية والإلكترونية وغيرها من النفايات السامة في الغرب. فقد تحوَّل قسم كامل من العاصمة الغانية أكرا إلى مكب لتحويل النفايات الإلكترونية، إلى الحد الذي يصبح عنده مجرد تناول بيضة هناك ينتج عنه، بحسب منظمة الصحة العالمية، «220 ضِعف المقدار اليومي المسموح به من الديوكسينات المكلورة، وهي نتاج ثانوي سام للنفايات الإلكترونية». وفي إندونيسيا، يُدفع بنحو 365 طناً من النفايات البلاستيكية المنزلية إلى البحر في كل ساعة، في حين تُحرق جبال لا نهاية لها من النفايات البلاستيكية الغربية لتغذية المخابز التي تصنع التوفو، ومن ثم توصيل نفاياتنا السامة إلى أفواه الملايين من الإندونيسيين. تُباشر فيتنام والفلبين عملية «إعادة تدوير» البلاستيك بصورة متزامنة، مما يؤدي لإطلاق «السموم التي لا تُعد ولا تُحصى والقطع البلاستيكية الدقيقة في النظم البيئية المحلية»، مما يلوّث الهواء والماء إلى حد تسللها إلى داخل أنسجة المخ البشري.
وفي الأثناء ذاتها، وعلى الجانب الآخر من كوكب الأرض، يجلس المستهلكون الغربيون في دعة يلعبون بأحدث الأجهزة الإلكترونية لديهم، ثم يتخلصون من البلاستيك الأحادي الاستخدام بعد بضع دقائق فقط من استخدامه، ولا يبالون بشحن فضلاتهم بعد ذلك إلى مختلف أنحاء العالم بتكاليف بيئية باهظة، فقط لكي يسمموا، في نهاية المطاف، مجتمعات بأكملها من السكان الفقراء الذين كانت رغبتهم الوحيدة هي الحصول على رغيف من الخبز. إذا أدرك الناس عواقب نفاياتهم واستهلاكهم، فربما يفكرون مرتين قبل شراء هاتف جديد أو التخلص من كيس بلاستيكي. وليس من الخطأ تماماً أن نقول إن مجتمعاتنا قد أفسدت بفعل النفايات. إن وصفها بأنها إعادة تدوير لإنقاذ كوكب الأرض لا يخدم فحسب سوى إخفاء الواقع والسماح للشركات والبلدان الغربية بإثراء أنفسها على حساب مَن هم أقل حظاً في هذا العالم، كما هي الحال دائماً.
تُذكّرنا مقالة كلاب وكتابه القادم بأننا كنا حقاً نركز على كل الأشياء الخاطئة. لقد نزعنا قضية تغير المناخ من فحواها بالتركيز فقط على إحصاءات الانبعاثات، كما نزعنا حقيقة النفايات من مقتضاها، من خلال تطبيق المصطلح المضلل «إعادة التدوير». فقد مُررت قوانين غير فعالة، وعُقدت اجتماعات لا نهاية لها، مع استغلال النشاط «المُرضي» بصورة خاطئة. والحقيقة هي أننا جميعاً مشاركون في نظام عالمي فاسد وغير أخلاقي يستمر في تسميم كوكبنا وسكانه الأكثر فقراً من أجل الاستهلاك المفرط في الغرب على الأغلب. لا يمكن أن تُحلق أجنحة الطيور من دون ريش، ونحن بحاجة إلى ريش الإنسانية لترفعنا من أجل كشف ووقف هذا النظام المميت الذي يُعرّض كوكبنا ومستقبل جميع أطفالنا للخطر.
نحن، اليوم، منشغلون بالحروب والصراعات، وبالسياسات المُبالَغ فيها، وبالحلول البيئية الزائفة، ولكن يتحتم علينا أن نستيقظ وأن ندرك أننا لا نستطيع تحمل مزيد من التردد في التعامل مع قضية النفايات. فالنفايات لا تفسد مجتمعنا فحسب، وإنما تسمم بيئتنا وشعبنا، في الوقت الذي تُملأ فيه جيوب الأثرياء بالفعل. لقد حان الوقت لتكوين جبهة دولية ضد النفايات للتغلب على المشاكل الهائلة التي تخلقها النفايات في جميع أنحاء العالم، مع الإسهام بصورة مفيدة في حالة بيئتنا ومستقبل أطفالنا. دعونا نتحرك قبل أن تغمرنا هذه الكارثة.
نحن الكائنات الذكية على هذا الكوكب، وينبغي علينا توظيف تلك الميزة الأذكى في التفكير سريعاً حول كيفية العيش بصورة أكثر استدامة وأكثر تناغماً مع قيمنا الحقيقية. وينبغي لنا ألا ننسى، كما حذّرنا ميغيل دي ثيربانتس من قبل، أن «التسويف يجلب الخطر دوماً».
