أزمات تحكيم مباريات كرة القدم تُشبه بعضها، سواءً تلك التي تحدُث في أعظم دوري كرة قدم في التاريخ؛ حيث الدوري الإنجليزي لكرة القدم، أو تلك الاتهامات التي تتزايد في «لاليغا»؛ حيث الدوري الإسباني أو الدوري المصري، الذي شهد أمس بياناً من نادي الزمالك، يطلب فيه خبيراً تحكيمياً أجنبياً يُدير لجنة قضاة الملاعب، وإلا فإن الوضع «مخيف» كما يصفه المسؤولون في النادي الأبيض.
ليس الأمر كما هو أعلاه فقط، بل في الدوري السعودي أيضاً؛ حيث التعريض المستمر من رؤساء الأندية ووسائل الإعلام والجماهير بحكام المباريات الأجانب النخبة وغيرهم... والسعوديين.
قضية التحكيم أزلية ومستمرة، ولن تتوقف ما دام مَن يديرها إنسان يخطئ ويصيب، حاله كحال حارس المرمى والمدافع والمهاجم والمدرب ورئيس النادي.
«التحكيم جزء من اللعبة»، ولا يمكن قول أكثر من ذلك في تقديري الشخصي... وفي العقد الأخير كنت مؤمناً بأن ما يجري ضد الحكام يفوق التصورات، ويخالف منطق اللعبة، لكن هذه هي كرة القدم في النهاية؛ حيث الأخطاء البسيطة والعظيمة والكوارثية التي تحدث في كل المسابقات.
يقول حكم الدوري الإسباني السابق، إيتورالدي غونزاليس في معرض حديث لشبكة «The Athletic»، ونشرته «الشرق الأوسط» في مارس (آذار) الماضي، إن الأجواء المحيطة بالحكام في كرة القدم الإسبانية ملوثة جداً في الوقت الحالي.
ويُضيف أن حكام المباريات في الدوري الإسباني يواجهون ظروفاً صعبة؛ حيث يمكن القول إن الثقة بالتحكيم الإسباني في أدنى مستوياتها على الإطلاق.
هذه الثقة المتدنية بالتحكيم التي يتحدث عنها إيتورالدي برأيي ليست محصورة في الدوري الإسباني، بل هي أسلوب حياة تمارس في «البريميرليغ» إلى حد التهديد بالقتل للحكم البريطاني مايكل أوليفر عقب طرده قبل أيام للاعب آرسنال لويس سكيلي في مواجهة وولفرهامبتون.
يُشدد إيتورالدي على أنه منذ بدأ التحكيم في إسبانيا والجميع يهينه وينتقده، وإن ذلك مؤثر بشكل كبير في حياة الحكام الخاصة ولعائلاتهم وأطفالهم إلى حدّ التنمر عليهم في المدارس وغيرها.
مهم جداً أن يفهم المسؤولون في الأندية والمدربون واللاعبون والإعلام والمشجعون، أن فكرة تصحيح كل قرار تحكيمي صادر من حكم في الملعب هي فكرة خاطئة تماماً؛ لأن كثيراً من التعليقات والتفسيرات للحالات التحكيمية تتم وهم في لحظات زمنية أكثر راحةً، وأكثر هدوءاً، وأكثر سعةً، من حكم يتعيّن عليه اتخاذ قرار في لحظة، حتى إن كان يقف أمام شاشة تقنية الفيديو.
إن ما يفعله هؤلاء يذهب إلى تفسير قوانين اللعبة، في حين الحكم يصدر قراره اللحظي في ثوانٍ معدودة، مستمَداً صافرته من فطرته وفهمه، وما درسه في القانون.
تقنية الفيديو المساعد لم تحل مشكلة التحكيم في الدوريات العالمية لكرة القدم، بدليل أن أندية البريميرليغ اضطرت للتصويت على استمرارها من عدمه نهاية الموسم الماضي، لتُقرر بعد ذلك الاعتماد عليها لأنها هي الخيار، رغم استمرار الأخطاء.
«تقنية الفيديو المساعد خدمة مثيرة -كما تقول (The Athletic)- لكنها في الأساس قدمت بصفتها محتوى لوسائل الإعلام ومحللي التحكيم أكثر من أنها مفيدة للعبة؛ لأنها لم تعالج المشكلة من أصلها». والسبب في رأيي أنه لا يوجد حل في هذه اللعبة سوى الإيمان بأخطاء التحكيم، مثل إيمانك بأن كرة القدم فوز وخسارة.
يجب أن يفهم الجميع أن ارتكاب الحكام أخطاءً تقديرية في الملاعب لا يعني أنها مؤامرة ضد فريقك المفضل، بل لأن الحكام بشر، ويخوضون مباريات سيئة شأنهم شأن المدافع الذي يُمرر بالخطأ للمهاجم، ثم يسجل الأخير هدفاً، أو هو يقوم بدور المهاجم ويسجل في شباك فريقه.
يجب أن يُفهم أن الحكم الذي يخطئ، مثل المهاجم الذي يهدر ضربة جزائية كان يجب أن يسجلها بنسبة 99.9%، لكنه أضاعها لأنها كرة القدم غريبة بمشاعرها وفوضويتها وعدم منطقيتها في الغالب.
طوال السنوات الماضية استعانت لجنة حكام كرة القدم السعودية بنخب حكام أوروبا وأميركا الجنوبية الذين أداروا مواجهات في كأس العالم ودوري الأبطال وكأس أوروبا والدوريات الخمسة الكبرى، لكن الاتهامات بالتحيّز والترصد ونظرية المؤامرات مستمرة، وسيستمرون هم في أفكارهم ما لم يدركوا حقيقة ومنطق اللعبة.