د. عبد العزيز حمد العويشق
الأمين العام المساعد للشؤون السياسية وشؤون المفاوضات في مجلس التعاون الخليجي.
TT

الأولويات العشر لمجلس التعاون في سوريا

استمع إلى المقالة

كان مجلس التعاون الخليجي من أوائل من تعاطوا إيجابياً مع الأوضاع المتغيرة في سوريا، فكانت محل نقاش في الاجتماعات التي عُقدت للمجلس في إطار قمة الكويت، في الأول من ديسمبر (كانون الأول) الماضي، فتضمن البيان الختامي للقمة تأكيداً على احترام سيادة سوريا واستقلاها السياسي ووحدة أراضيها، وتغليب لغة العقل والحوار. وكان ثمة شعور بخيبة الأمل في الخليج من تعنت بشار الأسد وعدم تنفيذه ما جرى الاتفاق عليه في إطار الجامعة العربية ورفضه التعامل مع الأمم المتحدة للوصول إلى حل سياسي.

وبعد القمة، عقد وزراء الخارجية الخليجيون اجتماعاً استثنائياً خُصّص لدراسة المستجدات، وتضمن البيان الذي صدر في 26 ديسمبر تفاصيل أكثر عن موقف المجلس، وتلا الاجتماع زيارة وفد خليجي رفيع المستوى لدمشق، للاجتماع مع القيادة السورية الجديدة، التي أكدت حرصها على إرساء شراكة وثيقة مع دول المجلس تركز على المصالح المشتركة وتستعيد العلاقات التاريخية الراسخة بين الجانبين.

ومن خلال هذا التعاطي مع التحوُّل التاريخي في سوريا، يتضح أن أولويات مجلس التعاون هي ذاتها أولويات الشعب السوري وأشقائه العرب. فالأولوية الأولى هي احترام سيادة سوريا واستقلالها ووحدة أراضيها، وهذا يعني عدم التدخل في شؤونها الداخلية وإعطاء الأشقاء السوريين الفرصة لحل قضاياهم بأنفسهم. فينبغي مثلاً على إسرائيل وإيران كفّ يدهما عن سوريا، وأن تحترم روسيا إرادة السوريين بشأن وجود قواتها، أما تركيا والولايات المتحدة فعليهما أن تحترما دور دمشق فيما يتعلق بموضوع الأكراد. وقد أظهر المسؤولون في إدارة بايدن بعض المرونة بهذا الخصوص. ولعل إدارة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب تسير في الاتجاه نفسه. وهناك مرونة كذلك في الموقف الروسي. في المقابل، كثَّفت إسرائيل هجماتها على سوريا واحتلت مزيداً من أراضيها وأَلغتْ أُحادياً اتفاق فض الاشتباك، فضلاً عن استمرار ادعائها السيادة على الجولان. أما موقف تركيا فما زال غامضاً، وربما سيكون مرتبطاً بما يجري التوصل إليه بشأن الأكراد.

ثانياً، يدعم المجلس جهود الأشقاء السوريين للانتقال إلى حكم منفتح بعيد عن سياسات الأسد الطائفية. ولا شك في أهمية العدالة الانتقالية لمحاسبة المتورطين في جرائم النظام السابق، ولكن من المهم كذلك أن تكون هناك مصالحة وطنية واندماج لمن لم يتورطوا في تلك الجرائم. ولسوريا أن تفخر بتنوعها الثقافي الذي تميزت به منذ القدم، وأن تسمح بمشاركة الجميع في الوطن وفق قدراتهم، ولكن من دون تبني نظام المحاصصة الطائفية أو العِرقية الذي ابتُلي به بعض جيرانها.

ثالثاً، الترحيب بقرار سوريا حل الميليشيات والفصائل المسلحة، لضمان حصر السلاح في يد الدولة وبسط سلطة القانون وتوفير الحماية للجميع.

رابعاً، رحب المجلس بتصريحات الإدارة الجديدة بأن سوريا لن تشكل تهديداً لجيرانها العرب، بل ستُسهم إيجابياً في الحفاظ على الأمن والاستقرار الإقليمي، خلافاً للنظام السابق الذي تحالف مع القوى المعادية للعرب وآوى جماعات إرهابية وشبكات مخدرات استهدفت دول الخليج.

خامساً، كانت تصريحات دمشق بأنها ستنخرط بشكل إيجابي مع العالم العربي ومع المجتمع الدولي مطمْئنة، خلافاً للنظام السابق الذي رفض التعاون مع الجامعة العربية ومع الأمم المتحدة اللتين كانتا تسعيان إلى الوصول إلى حل سياسي، وفق قرار مجلس الأمن 2254.

سادساً، يدعو مجلس التعاون الشركاء الدوليين إلى سرعة العمل معاً لدعم استعادة الاستقرار والتعافي المبكر في سوريا، بعد أن دمرت الحرب اقتصاد سوريا، فانكمش الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 87 في المائة، من 68 مليار دولار عام 2011 إلى 9 مليارات خلال 10 سنوات، وانخفض دخل الفرد إلى 400 دولار سنوياً. وانهار قطاع الصادرات بنسبة 85 في المائة إلى ملياري دولار خلال الفترة نفسها. وانخفضت نسبة الأمن الغذائي من 99 في المائة قبل الحرب إلى 52 في المائة عام 2022. فضلاً عن تدمير البنية التحتية، بما في ذلك الكهرباء والطرق والمدارس ودور العبادة.

وقد سارعت دول المجلس بإرسال المساعدات إلى سوريا، ولكنَّ ذلك يظل محدوداً قياساً على الاحتياجات الفعلية، ولهذا فقد طرحت مقترح عقد مؤتمر دولي لحشد الموارد لتوفير المساعدات الإغاثية والاقتصادية، وفي الوقت نفسه دعم مؤسسات الدولة وأجهزة الاقتصاد لكي تؤدي واجبها تجاه المواطنين.

سابعاً، هناك أولوية خاصة للعودة الآمنة والطوعية للاجئين والنازحين للإسهام في إعادة الاستقرار والحياة الطبيعية، بعد أن دفعت الحرب غالبية السوريين إلى الفرار من جحيم الحرب. فوفق إحصاءات الأمم المتحدة، هناك أكثر من 12 مليون سوري يعيشون خارج ديارهم، أي ما يعادل 52 في المائة من إجمالي السكان، منهم 7 ملايين نازح داخل الأراضي السورية، ونحو 5 ملايين لاجئ خارجها. ولا شك أن وتيرة العودة سوف تعتمد على سرعة استعادة الأمن والخدمات الأساسية وإصلاح البنية التحتية الأساسية، خصوصاً الصحة والتعليم والإسكان وشبكات الكهرباء والماء.

ثامناً، التعاطي بإيجابية مع مقترح الأمين العام للأمم المتحدة إرسال بعثة أممية للمساعدة في استعادة الحياة الطبيعية، سياسياً واقتصادياً وأمنياً، وبالطبع ستكون هذه العملية أكثر نجاحاً إذا كانت بقيادة سورية ودعم دولي وإقليمي. وقد أعلنت القيادة السورية العزم على عقد مؤتمر للحوار الوطني، وهي خطوة واعدة لاستعادة الوحدة الوطنية والتماسك الاجتماعي.

تاسعاً، دعا مجلس التعاون المجتمع الدولي إلى مساعدة سوريا على فتح صفحة جديدة، برفع العقوبات عنها وتقديم العون لاستعادة الاستقرار والتعافي المبكر، وتشجيع القطاع الخاص على استئناف دوره المهم في إدارة عجلة الاقتصاد. وفي الوقت ذاته، ثمة ضرورة للتعاون الدولي لمكافحة الإرهاب ومنع عودة «داعش»، وأن تقوم الدول الأوروبية باستعادة مواطنيها من جنود «داعش» السابقين وأسرهم، بدلاً من بقائهم في المخيمات عبئاً على سوريا وتهديداً أمنياً. وعلى تركيا والولايات المتحدة حث الأكراد على التوصل إلى حل مع دمشق، في إطار الدولة السورية الواحدة. وعلى الولايات المتحدة الضغط على إسرائيل للتخلي عن سياستها العدوانية تجاه سوريا.

وأخيراً، فإن مجلس التعاون يدعم بقوة اندماج سوريا في محيطها العربي، لتستعيد دورها التاريخي في دعم أمن المنطقة واستقرارها، وتسهم في النهضة الاقتصادية والحراك الثقافي الذي عُرفت به سوريا خلال تاريخها الطويل. بدلاً من سياسة الأسد الذي عمل وكيلاً لخصوم الأمة العربية واستقوى بأعدائها ضد شعبه وجيرانه العرب.