بدأ الصراع الاقتصادي بين الصين والولايات المتحدة منذ يناير (كانون الثاني) 2018، عندما أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب في 22 مارس (آذار) 2018 نيته فرض رسوم جمركية وغيرها من الحواجز التجارية على الصين تبلغ 50 مليار دولار أميركي على السلع الصينية، بموجب المادة 301 من قانون التجارة لعام 1974، والتي تسرد تاريخ «الممارسات التجارية غير العادلة» بهدف إجبارها على تغيير ممارساتها التجارية غير العادلة التي تُكلف الولايات المتحدة مئات مليارات الدولارات سنوياً، خاصة أن الولايات المتحدة تعاني عجزاً تجارياً معها يبلغ 500 مليار دولار سنوياً.
في حملته الانتخابية عام 2016، نفى ترمب الانخراط في حرب مع الصين قائلاً: «وحدهم الأغبياء أو غير الأكْفاء ممن يمثلون الولايات المتحدة مَن خسروا الحرب التجارية منذ سنوات عدة». فما سبب هذا النزاع؟
على الرغم من بعض الآراء الأميركية المناهضة لفرض رسوم جمركية على الصين، معلّلة ذلك بأنه من شأنها تأمين وظائف التصنيع في الولايات المتحدة، أضفْ إليها التعريفات الثنائية المتبادلة. وأثناء حملته الرئاسية على منصّة اقتصادية حمائية عام 2016، وعد ترمب بخفض العجز التجاري (استيراد/ تصدير) مع الصين، الذي عزاه إلى الممارسات التجارية غير العادلة، كسرقة الملكية الفكرية، وعدم وصول الشركات الأميركية إلى السوق الصينية.
في 17 أغسطس (آب)، أوعز ترمب، أثناء رئاسته، إلى مكتب الممثل التجاري للولايات المتحدة التحقيق في الممارسات الاقتصادية الصينية. وفي أعقاب صدور التقرير في مارس 2018 مهاجماً جوانب عدة من السياسة الاقتصادية الصينية، مع التركيز على نقل التكنولوجيا المزعوم الذي يكلّف الولايات المتحدة 225.600 مليار دولار سنوياً، أوعز ترمب بفرض رسوم جمركية على المنتجات الصينية، ورفع دعوى ضد الصين لدى منظمة التجارة العالمية، كما فرض قيوداً على الاستثمار الصيني في قطاعات التكنولوجيا المتقدمة في اقتصاد الولايات المتحدة. ذكر مستشار البيت الأبيض السابق أن الولايات المتحدة نظرت بسذاجة إلى الاتجاه الآخر من خلال إدارات رئاسية متعددة - كلينتون وبوش وأوباما - تسللت خلالها الصين نحو ميزة غير عادلة في سوق التجارة العالمية.
هذا، وقد جَرَت حوارات على مدى أعوام بين الولايات المتحدة الأميركية والصين، لكن الإصلاحات كانت قليلة ولم تكن عادلة ومتبادلة، وفقاً للإدارة الأميركية، وأسفرت عن نتائج والتزامات ضئيلة لم تحترمها الصين. لذا، تتخذ الولايات المتحدة الأميركية إجراءات بشأن نقل التكنولوجيا التي تُعد أهم جزء من اقتصاد الولايات المتحدة.
يعتقد أغلب خبراء الاقتصاد أن العجز التجاري الأميركي يُعزى إلى عوامل الاقتصاد الكلّي، وليس إلى السياسة التجارية فحسب. في حين أنه من المتوقع أن تؤدي الرسوم الجمركية على السلع الصينية إلى انخفاض الواردات من الصين، كذلك يُتوقع أن تسفر عن زيادة الواردات من دول أخرى، مما سيُبقي العجز التجاري الإجمالي للولايات المتحدة قائماً إلى حد كبير، لذا على الولايات المتحدة أن تُقلّص عجزها التجاري مع الصين، وأن تنتهج سياسات مختلفة لتنظيم الملكية الفكرية والاستثمار.
وفي هذا السياق، شكّك معظم خبراء الاقتصاد في إمكانية تحقيق الأهداف الثلاثة عن طريق فرض التعريفات. كما قدّرت إحدى الدراسات أن صادرات الولايات المتحدة إلى الصين توفّر نحو 1.2 مليون وظيفة أميركية، في حين استثمرت الشركات الأميركية 1.5 مليار دولار في الصين عام 2019.
في 22 فبراير (شباط) عام 2021، دعا وزير الخارجية الصيني وانغ يي، الرئيس الأميركي جو بايدن إلى رفع القيود المتعددة التي فرضها دونالد ترمب، كما حثّ إدارة بايدن على رفع العقوبات المفروضة على التجارة، وطالبها بوقف التدخل في الشؤون الداخلية الصينية. وفي عام 2022 قدّر صندوق النقد الدولي أن الاقتصاد الصيني من حيث تعادل القوة الشرائية سيكون أكبر من الاقتصاد الأميركي بنسبة 23 في المائة.
إذا عدنا بالتاريخ التجاري بين الولايات المتحدة والصين، فسنرى أنه في عام 2000 دفع الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون «الكونغرس» إلى الموافقة على اتفاقية التجارة بين الولايات المتحدة والصين، ودعا الصين للانضمام إلى منظمة التجارة العالمية، قائلاً إن المزيد من التجارة مع الصين من شأنه أن يعزّز المصالح الاقتصادية الأميركية.
والآن، بعد كل ما جرى ويجري بين الولايات المتحدة والصين، يدور النقاش في أروقة غرفة التخطيط العسكري للولايات المتحدة منذ بدء تحوّل احتمال شنّ عدوان عسكري صيني في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، من كونه مجرّد فكرة افتراضية إلى فكرة حقيقية واقعة ربما.
إن هذا النزاع التجاري بين الدولتين لا يزال قائماً ومستمراً يعيد تشكيل أنماط التجارة العالمية البعيدة المدى على الاقتصادات في جميع أنحاء العالم. ومع رجوع الرئيس ترمب إلى سدّة الرئاسة، سوف يشهد عام 2025 تجارة دولية مختلفة عما كانت عليه عندما تصاعدت التوترات للمرة الأولى في عام 2018.
فهل ستكون حرباً تجارية فقط أم حرباً عسكرية؟!
*باحثة لبنانية