هذه رسالة يجب أن تصل إلى العنوان الصحيح، عنوان الرئيس الأميركي دونالد ترمب، أعني عنوان سياسته وفلسفته.
رسالة من كاتب عربي يبحث عن استقرار لإقليمه الذي شاء حظه أن يتحول ميدان رماية.
قفزت إلى ذاكرتي قصيدة «من أب مصري إلى الرئيس ترومان»، للشاعر الكبير عبد الرحمن الشرقاوي، كان قد وجهها إلى الرئيس الأميركي عقب أحداث عالمية جسيمة، أبرزها إلقاء قنابل ذرية أميركية على اليابان. ما أشبه الليلة بالبارحة...
في العشرين من يناير (كانون الثاني) المقبل، ستجلس أيها الرئيس دونالد ترمب، خلف مكتبك في البيت الأبيض، ستصبح صاحب القرار الأول في بلاد العم سام، خضت معركة هائلة وتاريخية، انتصرت فيها على منافسيك انتصاراً كاسحاً، هذا لم يحدث في تاريخ أميركا، المعنى هنا واضح، الرأي العام الأميركي كان يريد التغيير، القصة ليست في تبديل الأشخاص على المقاعد، كانت اللحظة تستدعي تغيير المفاهيم والسياسات والآراء.
يقال أيها الرئيس إنك الشخص الذي لديه صندوق مختلف عن صناديق السياسة الأميركية التي سادت منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وتركت على الخرائط العالمية بصماتها العنيفة، وصاغت نظاماً دولياً، لا يزال يسيطر حتى الآن، هذا النظام يتلاشى تدريجياً، ويصاب بسكتة دماغية، فلا أفكار، ولا إبداع فيه، فقد نشأ منذ البداية على فلسفة القوة والحروب، والسيطرة، وتمدد النفوذ؛ وذلك ما جعله نظاماً غير عادل، فيه الحرب تلد أخرى.
أنت أيها الرئيس ترمب، جئت من خارج هذا النسق، تترأس أكبر قوة مهيمنة، تشق الأمواج إلى الشاطئ تحت شعار عدم الحروب، أو التدخلات بالثورات الملونة والانقلابات، تغري الجمهور الأميركي بشعار «لنجعل أميركا عظيمة مرة أخرى»، بصفتها أكبر قوة اقتصادية وإبداعية، وصناعية وعلمية في التاريخ، وذلك بالعودة إلى مفهوم الآباء المؤسسين لأميركا الذين يرونَ أن أميركا العظيمة تعيش وراء المحيط، تبدع وتنتج في حرية تحت شعار: «دعه يعمل... دعه يمر»، وتؤمن بأن: «النجاح لا يناقش».
أسلافك كسروا أحلام الآباء المؤسسين، اندفعوا في الحروب، تدخلوا بالغزو، وصناعة الانقلابات، أصبحوا جزءاً من النظام العالمي غير العادل.
الرأي العام الأميركي لم يكن راغباً في هذا الانغماس، بل كان يرفض خوض معارك بعيدة عن أراضيه، كان ينتظر الفرصة لتيار سياسي يؤمن بالعزلة، والابتعاد عن العالم القديم، وجد فيك ضالته المنشودة، فأنت تؤمن بأن الحرب لا تناسب أفكارك، كان انتصارك على فريق الحرب واضحاً في صناديق الاقتراع؛ مما يتيح لك الفرصة لتشكيل «فريق أحلام» يقود السياسة الأميركية خلال التحول العالمي العظيم. هذه الفلسفة هي الوصفة السحرية للشعوب في تلك المرحلة الدقيقة.
لا شك أن كل هذه المتغيرات المتلاحقة في انتظار أول قراراتك. ولا شك أيضاً أن الإقليم العربي هو الأكثر احتياجاً، فقد عاش على مدى قرنين ميدانَ رمايةٍ للقوى العظمى. الآن أصبح القرار بيدك وحدك لا ينازعك فيه أحد، لا مؤسسات، ولا مراكز تفكير، بل رؤية نابعة من تيار عريض، يؤمن بما تفعله، وكثيراً ما هاجمت النخبة في واشنطن ومراكز التفكير التي وضعت السياسات العالمية الراهنة.
هذه الفلسفة تقودني؛ كوني كاتباً عربياً، إلى صياغة رسالة إليك. رسالة بسيطة وعميقة في الوقت ذاته، بسيطة لأنها تريد أن ترى الإقليم العربي في رفاهية وسلام واستقرار وتقدم واندماج في الحداثة العالمية، ولِمَ لا؟ فهو وريث كل الحضارات العظمى، ويحمل إرث الأديان السماوية الثلاثة، فهل يليق بأرض الحضارة، ونبع الأديان أن تعيش دائماً في أتون حروب لا تتوقف، وغزوات مستمرة، وثورات ملونة، وانقلابات، وانقلابات مضادة؟
أما عمق الرسالة، فيكمن في أننا نريد أن نكون على قدم المساواة مع كل أطياف العالم. نحن لا نؤمن بالتعالي أو العنصرية، فالناس سواسية، وما دمت قد رفعت شعار «أميركا أولاً»، و«أميركا العظيمة»، فمن حقنا أن نشعر نحن الإقليم العربي بفخر الماضي، وقيمة الحضارات، وقداسة الجغرافيا، وحكمة التاريخ، وكلها متوافرة، وإذا كنت بالفعل ترفض الحروب، وتستعيض عنها بالقوة الاقتصادية لبلادك، فما أحوج الإقليم العربي إلى سلام شامل، واستقرار، وانخراط في التصنيع والإبداع، وابتعاد عن نشر الفوضى، واستخدام الجماعات والتنظيمات الإرهابية التي يتم توظيفها لتمزيق الخرائط، فالحق أقول يا أيها الرئيس إن هذه السياسة لم تنجح في جعل شعوب الإقليم تستكين، بل فشلت في تشكيل صورة حسنة لأميركا.
ثمة محطات تحتاج منكم إلى نظرة فاحصة، لعلنا نجد الدواء الشافي، أولى هذه المحطات هي القضية الفلسطينية، فثمانية عقود كافية. ثانية هذه المحطات هي منع مراكز التفكير التقليدية من صناعة الثورات الملونة، وثالثة المحطات أن يتم احترام مقدرات الشعوب وحريتها في التقدم والاستفادة من الثورة الصناعية الرابعة.
أيها الرئيس... إن حرية الإقليم العربي ليست منحة، بل حق أصيل، ولا تحتاج إلا إلى رفع الأغلال والمظالم التي عاشها على مدى قرنين منطقةً رخوةً، كلما أراد النظام العالمي تغييراً وضع يده عليها، ورأينا حروباً لا تبدأ من فلسطين، ولا تنتهي في سوريا، بل تتسع، وتتمدد.
ندرك أنك لست من هذه المدرسة. دعنا ننتظر لنرى، هل تتطابق الأقوال والأفعال، إنها مجرد رسالة من كاتب عربي يخشى على إقليمه العربي من عواصف يراها تلوح في الأفق.