د. ياسر عبد العزيز
TT

هكذا يجني ماسك أرباح شراء «تويتر»

أستمع لملخص

يبدو أن طموح الملياردير الأميركي الشهير إيلون ماسك بلا سقف تقريباً؛ ورغم أن الرجل حقق نجاحات واختراقات مُذهلة في مجالات الصناعة والتكنولوجيا ووسائط الإعلام «الجديد»، فإنه لا يكفّ أبداً عن مفاجأتنا بالجديد.

جديد ماسك هذه المرة هو التمركز السياسي في أعلى مراتب السلطة في الولايات المتحدة الأميركية، كأحد أبرز معاوني الرئيس المُنتخب تواً دونالد ترمب، وقد أتى هذا التمركز نتيجةً لعمل شاقٍ ودؤوب، وتخطيط مُحكم، وأيضاً نزوعٍ جارفٍ للمغامرة.

وفي طريقه لإدراك هدفه السياسي، بدّل ماسك آراء، وغيّر ولاءات، وأبرم صفقات بشروط عُدت «مُجحفة»، وخاض معارك وسجالات حادة. لكننا ندرك الآن، أنه فعل كل ذلك لأن خطته كانت أن يفوز ترمب، وأن يمنحه موقعاً سياسياً مؤثراً في إدارته، وقد نجح في ذلك نجاحاً كبيراً، وكسب رهاناً صعباً.

لا يهدأ ماسك بعد خوض المعارك ولا يبدد أوقات العمل؛ ففي الأسبوع الماضي، قالت صحيفة «نيويورك تايمز» إنه التقى السفير الإيراني لدى الأمم المتحدة أمير إيرواني لـ«بحث كيفية نزع فتيل التوتر بين واشنطن وطهران»، على خلفية ما بدا أنه سيكون مقاربة «ترمبية»، يمكن أن تحقّق اختراقاً في ملف الصدامات والمفاوضات المُعقد بين العاصمتين.

لم يكن هذا كل ما فعله ماسك غداة إعلان ترمب رئيساً مقبلاً للولايات المتحدة؛ بل إنه حافظ أيضاً على حضور دائم إلى جانب الرئيس المُنتخب، كما شارك في بعض المكالمات الهاتفية التي أجراها مع زعماء العالم للتهنئة وبناء الشراكات.

وليست هذه هي أهم الإشارات التي تقودنا إلى فهم موقع ماسك، مؤسس «سبيس إكس» و«تسلا»، ومالك منصة «إكس»، وأكبر المتبرّعين لحملة ترمب، وأعلى مؤيديه صوتاً في الإدارة الأميركية الجديدة. إذ تكمن أهم تلك الإشارات في النفوذ الاستثنائي الذي يُمهد الرئيس المُنتخب لمنحه لأكبر مؤيديه، وهو أن يعهد إليه بمنصب فريد وفعّال، يُعول عليه بشدة في إعادة هيكلة الحكومة الأميركية برمتها.

لقد اقترح ماسك على الرئيس المُنتخب خطةً كاملةً لدفع الإصلاح الهيكلي للوكالات الفيدرالية، وهو الأمر الذي أكده ترمب، يوم الخميس الماضي، حين قال إن الملياردير الشهير والمثير للجدل سيرأس لجنة «الكفاءة الحكومية»، التي ستكون معنية بـ«ترشيد عمل الحكومة».

وإضافة إلى استخدام طاقة ماسك ومهاراته، التي تبدو عصيّة على التشكيك، في الاتصال والتفاوض السياسيين لتفعيل رؤى ترمب، وخوض السجالات والمعارك مع خصومه وناقديه، فإنه سيكون موظفاً خاصاً بمرتبة وزير، ليقدم تقارير نوعية، تستهدف توفير المشورة لتقليص حجم الإدارة، وتبسيط القواعد التنظيمية المعمول بها في الوكالات الفيدرالية، وخفض الإنفاق العمومي بنحو تريليوني دولار أميركي، من أصل سبعة تريليونات تمثل الإنفاق الحالي.

لكن هذا الدور المتصاعد والفاعلية القياسية يطلقان شكوكاً حول الدور الإعلامي الذي يلعبه ماسك منذ اشترى منصة «تويتر»، قبل أن يحولها إلى «إكس»، في صفقة قيمتها 44 مليار دولار، إذ عرفنا لاحقاً أن القيمة المدفوعة في تلك الصفقة لم تكن ترمي إلى الاستثمار في صناعة الإعلام، بقدر ما كانت جزءاً من خطة سياسية كاملة تستهدف وصول ترمب للسلطة، وتمركز ماسك في أهم مفاصلها.

يتسم عالم «التواصل الاجتماعي»، الذي اقتحمه ماسك بقوة عقب شراء «تويتر»، بعديد السمات، لكن من بين أبرزها الانطواء على درجة عالية من التأثير السياسي، وعدم القابلية للتنظيم والضبط الفعّالين.

ولهذين السببين بالذات، اشترى ماسك منصة «تويتر»، ودفع أكثر من قيمتها الفعلية، وأجرى عليها تحديثات وُصفت بـ«التخبط والارتباك»، وواجه انتقادات قاسية، لكنه حقق هدفه بوضوح، وبالعلامة الكاملة.

لقد سخّر مالك «إكس» منصّته لدعم ترمب مادياً ومعنوياً، واستخدم في ذلك إمكانات التزييف والتلاعب، حسب بعض مؤسسات تدقيق الحقائق المُعتبرة، التي رصدت بثه مئات الأخبار المُضللة، التي صبّت في مصلحة المرشح الجمهوري، قبل أن تصف ماسك بأنه أضحى «بطلاً للأخبار الكاذبة».

تثير قصة ماسك مع عالم «التواصل الاجتماعي» شكوكاً وانتقادات ومفاجآت، لا تقل عما تثيره قصصه مع عالم التكنولوجيا وتوليد الأموال. وضمن تلك الشكوك ستبرز حقيقة أن الشركات القائمة على تلك الوسائط لا تخضع لقواعد معيارية تفصل بين الملكية والإدارة، أو تضبط التأثير السياسي، وتبقيه خارج حدود التزييف والتلاعب؛ وهذا أمر يهدد قيم الديمقراطية وتكافؤ الفرص في الانتخابات وفي المنافسات السياسية.

يقتضي الإنصاف القول إن عالم «الإعلام التقليدي» لم يكن بمنأى قط عن مثل تلك الانتقادات والشكوك، لكن الجديد هنا هو ما تنطوي عليه وسائل «التواصل الاجتماعي» من إمكانات أكبر في النفاذ والتأثير وعدم القابلية للتدقيق، وهو أمر ينذر بمخاطر كبيرة.