زاهي حواس
عالم آثار مصري وخبير متخصص بها، له اكتشافات أثرية كثيرة. شغل منصب وزير دولة لشؤون الآثار. متحصل على دبلوم في علم المصريات من جامعة القاهرة. نال درجة الماجستير في علم المصريات والآثار السورية الفلسطينية عام 1983، والدكتوراه في علم المصريات عام 1987. يكتب عموداً أسبوعياً في «الشرق الأوسط» حول الآثار في المنطقة.
TT

مستر أبو سمبل!؟

استمع إلى المقالة

لا أذكر أنني سافرت مرة إلى مدينة نيويورك الأميركية ولم أقم بزيارة متحف المتروبوليتان، فبغض النظر عن قصر أو طول مدة إقامتي بالمدينة ومدى انشغالي بالمحاضرات أو اللقاءات الصحافية والتلفزيونية، لا بد أن أجد الوقت لزيارة المتروبوليتان، وذلك فقط لعشقي لقسم المصريات بهذا المتحف، بخاصة أنه يحوي أكبر قاعة عرض متحفي ربما في العالم كله خصصت لعرض معبد دندور المصري. نعم هناك معبد مصري كامل معروض داخل متحف المتروبوليتان منذ عام 1978. وهو للأسف الشديد أحد المعابد التي قامت الحكومة المصرية بإهدائها إلى الدول التي ساهمت وساعدت مصر في إنقاذ معابد النوبة من الغرق بسبب إنشاء السد العالي وتكوين أكبر بحيرة صناعية في العالم، وهي بحيرة ناصر خلف السد العالي.

شيد معبد دندور في عهد الإمبراطور الروماني أغسطس، وذلك على أنقاض معبد فرعوني قديم يعود لعصر الأسرة 26 الفرعونية. وقد كرَّس المعبد لإيزيس وزوجها أوزير، وبالطبع تم بناء المعبد على الطراز المصري القديم وبروح العصر الروماني في مصر، وذلك لدمج الآلهة المصرية القديمة مع نظيرتها الرومانية. أما عن اسم دندور، فهو يعود إلى قرية دندور النوبية، التي كانت موجودة بجوار المعبد الذي تحوَّل في العصر المسيحي إلى كنيسة.

أهدت مصر معبد دندور إلى أميركا لمساهمتها بمبلغ خمسين مليون دولار في مشروع إنقاذ معابد النوبة، وأشهرها بالطبع معبد أبو سمبل الذي شيده الملك رمسيس الثاني أشهر ملوك الفراعنة على الإطلاق والذي حكم مصر لأكثر من ستة عقود، ويعد من أكثر ملوك الفراعنة تعميراً وبناءً، فلم يترك مكاناً في مصر من دون وجود أثر له. وهنا لا بد أن أُشيد بالمجهودات العظيمة التي قام بها العالم الجليل الراحل ثروت عكاشة وزير الثقافة المصري في ذلك الوقت، الذي استطاع أن يقنع الحكومة المصرية ومنظمة «اليونيسكو» والعالم كله للمساهمة في إنقاذ معبد الملك رمسيس الثاني في أبو سمبل والعديد من معابد وآثار النوبة. وقد ذكر لي الصديق الراحل جمال مختار، الذي كان يرأس هيئة الآثار بأنه تم الاتصال بالسفارة الأميركية في ذلك الوقت للمساهمة في مشروع الإنقاذ. وبالفعل قام السفير الأميركي بإرسال الطلب إلى حكومته لإنقاذ أبو سمبل من الغرق، والطريف أن الحكومة الأميركية أرسلت ردها إلى السفير تسأل من هو مستر أبو سمبل؟ كانت ملحمة إنقاذ معابد النوبة من الغرق من أعظم الأعمال الأثرية التي تمت، والتي أعتقد أنها لم تأخذ حقها من التعريف بها وتوثيقها بأحداثها الملحمية بالكامل رغم توفر مواد تسجيلية كثيرة وبلغات مختلفة عن مراحل هذا المشروع الذي أدى إلى شهرة الآثار المصرية والتعريف بأهميتها، ولكن في الوقت نفسه تحولت «اليونيسكو» من مجرد منظمة مجهولة تابعة للأمم المتحدة إلى أحد أشهر المنظمات الثقافية في العالم كله، وذلك بفضل إنقاذ مستر أبو سمبل.