أيام قليلة تفصل الأميركيين وبقية شعوب العالم على نهاية السباق الأميركي للاستحواذ على البيت الأبيض لمدة أربع سنوات. ويبدو للمراقب الخارجي وكأن الكرة الأرضية توقفت عن دورانها ترقّباً لما ستسفر عنه الانتخابات الرئاسية.
أغلب التقارير الإعلامية الأميركية حول الانتخابات الرئاسية المقبلة يوم 5 نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل تشير، بشكل أو آخر، إلى أن العملية الانتخابية قد لا تمر بسلام. وبعضها يشير إلى احتمال حجب النتيجة النهائية إلى فترة زمنية متأخرة حتى تتمكن المحاكم من الفصل في القضايا المرفوعة من الجانبين. التوتر الأمني لا يخفى، بالأخذ في الاعتبار أن أحد المرشحين (الجمهوري دونالد ترمب) تعرض إلى محاولتي اغتيال. كادت الأولى منهما أن تقضي على حياته، لولا تدخل حُسن الحظ.
آخر ما اطلعت عليه من تقارير إعلامية يؤكد على ازدياد التهديدات الموجهة للعاملين في تلك المراكز من قبل أفراد وجماعات، وأن كثيراً من أولئك الأفراد تعرضوا للاعتقال والمثول أمام محاكم، وأن السلطات الفيدرالية المتخصصة، وتشمل مكتب التحقيقات الفيدرالي، ووزارة الأمن الوطني على أهبة الاستعداد لمنع تكرار ما حدث يوم 6 يناير (كانون الثاني) 2021 في الكونغرس.
آخر استطلاعات الرأي العام تحت إشراف صحيفة «ذا نيويورك تايمز»، و«سيينا كوليدج»، ونشرت يوم الاثنين الماضي، تشير إلى عدم تقدم أي من المترشحين عن الآخر. كلاهما تحصل على نسبة 46 في المائة من الأصوات. وعدد 7 ولايات هو من سيقرر الفائز. الولايات المعنية هي: أريزونا، ونيفادا، ونورث كارولاينا، وويسكنسن، وجورجيا، وميشيغان، وبنسلفانيا. وحتى في هذه الولايات لا يتقدم مرشح على آخر في نسبة الأصوات، رغم ملايين الدولارات التي أنفقت على الدعاية من قبل الحزبين.
اللافت للانتباه التطورات الأخيرة التي تابعناها في وسائل الإعلام، والمتعلقة بالدعم المفاجئ وغير المتوقع الذي قدمه العرب والمسلمون الأميركيون للمرشح الجمهوري ترمب في ولاية ميشيغان مؤخراً.
من جهة أخرى، ذكرت تقارير إعلامية أن المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس ستتلقى دعماً هي الأخرى من العرب الفلسطينيين والعراقيين. أهمية ولاية ميشيغان للمرشحين نابعة من حقيقة أنها تمتلك عدد 15 صوتاً في المجمع الانتخابي.
الناخبون الأميركيون بدأوا فعلياً مبكراً عملية الإدلاء بأصواتهم في صناديق الانتخابات في مراكز الاقتراع وعبر البريد. التقارير الإعلامية الأميركية تؤكد أن قرابة 40 مليون ناخب في ولايات عدة، أدلوا بأصواتهم، قبل قرابة أسبوعين من اليوم المقرر في 5 نوفمبر المقبل، وأن النسبة الأعلى من الأصوات المبكرة ذهبت إلى المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس. التقارير الإعلامية تقول إن الأمر لا يخرج عن نطاق الاعتيادية، حتى في الانتخابات التي خسر فيها الديمقراطيون في المجمع الانتخابي. القضايا الرئيسية في الحملات الانتخابية للمرشحين يمكن إجمالها في ثلاثة أمور، وهي: الهجرة، والاقتصاد، وحق الإجهاض. يتفوق المرشح الجمهوري على منافسته الديمقراطية في استطلاعات الرأي العام في موضوعي الهجرة والاقتصاد، في حين تتقدم المرشحة الديمقراطية في النقاط في قضية حق الإجهاض.
على مستوى الجندر، تبين أن هاريس تتمتع بفارق كبير في نسبة الدعم بين الناخبات، في حين يتفوق المرشح ترمب في نسبة الدعم بين الناخبين الرجال بفارق واضح في النقاط. اللافت للاهتمام أن المرشحة الديمقراطية هاريس لا تجد دعماً وترحيباً من الرجال السود، على نحو يذكر بما حدث مع هيلاري كلينتون عام 2016، حين تعرضت لحملة نسوية عدائية ضدها. الناخبون الأميركيون السود يرفضون الإدلاء بأصواتهم لامرأة سوداء البشرة. والنساء الأميركيات البيض فعلن الشيء نفسه سابقاً ضد مرشحة بيضاء البشرة لعجرفتها، حسبما تبين.
المؤشرات أغلبها، حتى الآن، تميل لصالح فوز المرشح ترمب في الانتخابات، وعودته ظافراً إلى البيت الأبيض. لكنّ ليست المؤشرات ونتائج استطلاعات الرأي العام من يقرر أياً من المرشحين سيدخل البيت الأبيض في شهر يناير 2025، إذ لو كان الأمر كذلك، لتمكنت المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون عام 2016 من الفوز، ولكانت أول امرأة تتولى رئاسة أميركا. وتظل مسألة انقسام الجاليات العربية والإسلامية في الموقف من المرشحين أمراً لافتاً للاهتمام. وعلى حسب علمي، فإن أغلبهم صوّت في الماضي لصالح مرشحي الحزب الجمهوري. ويبدو أن تأثيرات حرب الإبادة الإسرائيلية ضد غزة قد ألقت بظلالها على المشهد الانتخابي الأميركي، وأدت إلى عزوف كثيرين عن الإدلاء بأصواتهم للمرشحة الديمقراطية، بسبب سياسات إدارة الرئيس بايدن في الشرق الأوسط، وموقفه الداعم لإسرائيل. وكأنهم بذلك يمنحون المرشح الجمهوري صك براءة من مواقفه المؤيدة لإسرائيل خلال فترة حكمه من 2016 - 2020، رغم أنه يعد الرئيس الأميركي الوحيد الذي تجرأ على الاعتراف بمدينة القدس عاصمة لإسرائيل.