علي العميم
صحافي ومثقف سعودي بدأ عمله الصحافي في مجلة «اليمامة» السعودية، كتب في جريدة «الرياض» وكتب في جريدة «عكاظ» السعوديتين، ثم عمل محرراً ثقافياً في جريدة «الشرق الأوسط»، ومحرراً صحافياً في مجلة «المجلة» وكتب زاوية أسبوعية فيها. له عدة مؤلفات منها «العلمانية والممانعة الاسلامية: محاورات في النهضة والحداثة»، و«شيء من النقد، شيء من التاريخ: آراء في الحداثة والصحوة في الليبرالية واليسار»، و«عبد الله النفيسي: الرجل، الفكرة التقلبات: سيرة غير تبجيلية». له دراسة عنوانها «المستشرق ورجل المخابرات البريطاني ج. هيوارث – دن: صلة مريبة بالإخوان المسلمين وحسن البنا وسيد قطب»، نشرها مقدمة لترجمة كتاب «الاتجاهات الدينية والسياسية في مصر الحديثة» لجيميس هيوارث – دن مع التعليق عليه.
TT

أسلمة حرب ماركسية!

استمع إلى المقالة

كان من ضمن قائمة المصادر العربية في رسالة الإسلامي السعودي عبد الحميد أبو سليمان للدكتوراه «النظرية الإسلامية للعلاقات الدولية: اتجاهات جديدة للفكر والمنهجية الإسلامية» التي أنجزها في جامعة بنسلفانيا عام 1973، كتاب «الجهاد في سبيل الله» لأبي الأعلى المودودي وحسن البنا وسيد قطب الذي أصدره الاتحاد العالمي للجمعيات الطلابية في طبعته الثانية 1970.

هذا الكتاب أصدره هذا الاتحاد في طبعته الأولى عام 1969، وقد ضم فيه كتيب المودودي «الجهاد في سبيل الله» المعرّب عن الأردية والصغير جداً، الصادر عن لجنة «الشباب المسلم» بالقاهرة عام 1950، بمقياس 5.15x5.11 سم، وضم فيه رسالة لحسن البنا في الجهاد، وفصلاً من كتاب «معالم في الطريق» لسيد قطب عنوانه «الجهاد في سبيل الله».

كان أول متأثر ومتبنٍّ في العالم العربي لرؤية المودودي الجديدة لفريضة الجهاد في الإسلام، سيد قطب، وقد ظهر ذلك في الطبعة الثانية المزيدة والمنقحة لكتاب «في ظلال القرآن» الصادرة عام 1961، وفي كتاب «معالم في الطريق» المسلوخ من بعض أجزاء من كتابه «الظلال» في طبعته المزيدة والمنقحة. الكتاب المسلوخ صدر عام 1964 في طبعات متعددة في ذلك العام!

رؤية المودودي الجديدة للجهاد، كانت أن البلاد الإسلامية هي «دار حرب» وليست «دار إسلام»؛ لذا فاستئناف الجهاد يجب أن يبدأ بها، وذلك بالانقلاب على حكومتها، لتكون «دار إسلام». وبعد أن تكون «دار إسلام» يمتد الجهاد إلى أنحاء المعمورة.

وحين صدر ذلك العمل التجميعي، كانت تلك الرؤية متخمرة لدى الشباب المسلم بفضل كتاب «معالم في الطريق» الواسع الانتشار في الستينات الميلادية، وكتاب «واجب الشباب المسلم اليوم» للمودودي، وكتاب «ردّة ولا أبا بكر لها» لأبي الحسن الندوي، الصادرين في تلك الآونة.

لنرَ في أي موضع من رسالته أحال الإسلامي السعودي عبد الحميد أبو سليمان إلى كتاب «الجهاد في سبيل الله» للمودودي والبنَّا وقطب.

أحال إليه بعد قوله في رسالته: «كما أخفق المنهاج الليبرالي هو الآخر في الإصلاح الداخلي للحكومة وفي تكوين مجتمع ديمقراطي حر، وفي إيجاد نظام دولي تحدد فيه العلاقات بين الدول على أسس من السلام والتعاون بينهم وبصورة خاصة مع القوى الغربية».

أحال إليه مع كتابين منشورين باللغة العربية؛ الأول للإسلامي محمد المبارك «الفكر الإسلامي الحديث في مواجهة الأفكار الغربية»، والآخر لليساري نايف حواتمة «أزمة الثورة في الجنوب العربي: نقد وتحليل»، ومع تسعة كتب منشورة باللغة الإنجليزية، هي: «الفكر العربي في العصر الليبرالي» لألبرت حوراني، و«نشأة تركيا الحديثة» لبرنارد لويس، و«ردة الفعل في الشرق الأوسط تجاه الثقافة الغربية» لهاملتون جيب، و«الحرب والسلام في قانون الإسلام» لمجيد خدوري، و«مصر تسعى بحثاً عن مجتمع سياسي» لنداف سفران، و«إطار وأسس الدبلوماسية العثمانية في عهد سليم الثالث 1789 – 1807» لتوماس ناف، و«الإسلام في التاريخ الحديث» لولفريد كانتويل سميث، و«ما هو الإسلام؟» و«الفكر السياسي الإسلامي» لمونتجمري وات.

ما الذي جعل أبو سليمان يحيل إلى كتاب «الجهاد في سبيل الله» للمودودي والبنا وقطب للتوسع في معرفة أسباب إخفاق الليبرالية في العالم الإسلامي؟!

ما الذي جعله يحيل إليه في غير موضوعه؟!

سؤال بوسعك أن تعيده بصيغ متعددة، لكن – مع كل تغيير لصيغته – لن تفلح في الإجابة عنه!

إذا نظرنا في العام الذي أنجز فيه أبو سليمان رسالته للدكتوراه، وهو عام 1973، فإنه في هذا العام وفي السنين التي قبله، بوسعنا القول إن الليبرالية أخفقت في دول عربية، كمصر والسودان والعراق وسوريا. ويصعب إطلاق هذا القول على العالم الإسلامي.

تركيا الحديثة كانت إلى عام 1946 محكومة بنظام الحزب الوحيد؛ حزب الشعب الجمهوري. وكون هذا الحزب هو الحزب الوحيد لا يعني أنه غير ديمقراطي وغير ليبرالي أو حزب شمولي، على شاكلة الحزب الاشتراكي الوطني في ألمانيا، والحزب الفاشي في إيطاليا، والحزب الوحيد في البلدان الشيوعية. ومع انتقال تركيا الحديثة من الحزب الوحيد إلى التعددية الحزبية، حدثت ثلاثة انقلابات عسكرية، واحد منها فشل. وفي العام الذي حاز فيه عبد الحميد أبو سليمان درجة الدكتوراه، رُفعت الأحكام العرفية وأجريت انتخابات نيابية عامة.

إندونيسيا منذ استقلالها إلى انتهائه من كتابة رسالته، ثم مناقشتها، كانت دولة سلطوية. وماليزيا كانت دولة مستقرة على ديمقراطية توافقية. وباكستان منذ تأسيسها لم تكن دولة ليبرالية – علمانية.

إن الإسلامي عبد الحميد أبو سليمان كان يخلط عن قصد وبتضليل متعمّد بين الحداثة أو العلمانية وبين الديمقراطية في المجال السياسي!

بعد فراغه من الحديث عن عصر الليبرالية في العالم الإسلامي، تحدث عن عصر اليسار فيه، فقال: «عملت الدول الإسلامية، وخاصة الدول العربية منها، عقب ظهور الاتحاد السوفيتي بعد الحرب الثانية كقوة عظمى، على استخدام المساعدات الاقتصادية والتقنية والسياسية السوفيتية لصالح قضيتهم. وهكذا فليس غريباً من هذا المنظور أن أبرزت هذه التطورات الجديدة وأفرزت بعض جوانب النظرية الماركسية أوفدتها إلى محيط الفكر الإسلامي، وخصوصاً مفهوم حرب التحرير (وهي الصيغة العصرية للجهاد) بيد أن المصطلحات والمفردات الأيديولوجية الماركسية تنبع من فلسفة تتعارض، بل وتتناقض مع الأيديولوجية الإسلامية التقليدية».

هل – فعلاً – حرب التحرير الشعبية هي الصيغة العصرية للجهاد؟

إن حروب التحرير الشعبية من أنواع الحروب في الماركسية. وهي تخالف المقولة الماركسية التقليدية التي تضمن الحصول على النصر مع توفر «الحالة الثورية»، التي يعقبها كفاح حاد قصير الأمد؛ لأنها تقوم على الحرب الطويلة المدى أو الكفاح الممتد الشاق الذي يخلق «الحالة الثورية»، ولا ينتظر حلولها أو مجيئها.

يعرِّفها الجنرال الفيتنامي جياب بأنها: «تحول مستمر وتدريجي يتبع خطاً مستقيماً من حرب العصابات إلى الحرب المتحركة مروراً بمرحلة انتقالية هي حرب المواقع». وللحديث بقية.