«الترمبية» نسبة إلى الرئيس الخامس والأربعين دونالد ترمب، والمرشح الحالي عن الحزب الجمهوري المحافظ.
أما «الهاريسية» فهي تنسب إلى كامالا هاريس، نائبة الرئيس السادس والأربعين، جو بايدن، والمرشحة حتى الآن عن الحزب الديمقراطي الأميركي.
شتان الفرق بين النظرتين، فإذا بدأنا بكامالا هاريس، التي لم يتصور أحد أن تصبح يوماً نائبة للرئيس الأميركي، ناهيك عن أن تكون مرشحة لتسكن البيت الأبيض، وإذا ما نجحت، فإنها ستكون أول امرأة تحكم أميركا منذ الرئيس الأول جورج واشنطن، صحيح أن هناك امرأة أخرى سعت إلى منصب الرئيس في الانتخابات قبل السابقة، هي السيدة هيلاري كلينتون، وزيرة خارجية أوباما، وزوجة الرئيس الأسبق بيل كلينتون، لكنها فشلت أمام ترمب.
قال البعض إن أميركا غير مؤهلة لتنصيب امرأة رئيساً للولايات المتحدة، ولا تزال تميل إلى الرؤساء الرجال، عكس أوروبا.
كامالا هاريس، هي الخليط العالمي للسلالات العالمية، فهي هندية - آسيوية - أفريقية، لديها جذور في أميركا الشمالية، وزوجة المحامي اليهودي دوغلاس إمهوف، وقد يصبح السيد الأول إذا ما فازت زوجته بالانتخابات الرئاسية في الخامس من نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.
إن زخم هاريس يكمن في أنها من قلب الأقليات، وتنتمي إلى الوظائف الأميركية التي تحتك بالجماهير، من خلال كونها محامية أولاً، ومدعياً عاماً، وعضواً بمجلس الشيوخ عن ولاية كاليفورنيا منذ عام 2017، ثم نائبة للرئيس الأميركي منذ عام 2021، حتى الآن.
هذا المسار وهذه المسيرة يضعان الحالة الأميركية أمام زخم هائل في الانتخابات المقبلة، فقبل إعلان انسحاب الرئيس جو بايدن من المنافسة لم يكن أحد يتصور أن الأوراق ستختلط، وسيتم إعادة ترتيبها من جديد، فقد تفاجأ المرشح المنافس دونالد ترمب بهذه السيدة القادمة من خلفية قانونية قد تعامله معاملة وكيل النائب العام للمتهمين، وقد قالت ذلك مباشرة عندما سُئلت عن كيفية مواجهتها لترمب في المناظرات المقبلة.
هي امرأة حديدية، لديها طموح بلا حدود، قاموسها السياسي يؤمن بأميركا المتعددة في الأعراق والديانات، والألوان والثقافات، كما تؤمن بقيادة أميركا للعالم، والتدخل في مشكلاته كقطب وحيد، وهو الإيمان نفسه الذي قاد أميركا إلى الموقف المنحاز لأوكرانيا، في حربها مع روسيا، وأيضاً مع إسرائيل بحربها في غزة، وكذلك الدعم المطلق لاستمرار وتقوية حلف الناتو، وترى هاريس أنه يجب أن يضم دولاً أخرى تحيط بروسيا القيصرية، فضلاً عن أن هاريس لديها موقفها المتوارث من تنامي قوة الصين، وأن هذا التنامي ربما يخرج أميركا من مقعد القطب الواحد، ومن ثم فإن هاريس لديها إيمان تقليدي بالثوابت الأميركية المعتادة تجاه العالم، في القلب منه إقليم الشرق الأوسط.
لا شك أن خوض هاريس هذا السباق أعطى زخماً كبيراً للانتخابات الأميركية، التي كان ينظر إليها في السابق ككرنفال أميركي للمشاهدة، بينما الآن من سيأتي على رأس الدولة العظمى في العالم ستأتي معه متغيرات بنيوية عميقة، ربما تقود أميركا والعالم معها إلى مسارات مفتوحة.
وإذا كان ذلك جزءاً من ملامح النظرية «الهاريسية»، فإن نفس الجدل والاشتباك والمفاجآت نجدها مطبوعة على نظرية «الترمبية»، التي تختلف اختلافاً جذرياً في مضمونها عن المنافسة «الهاريسية»، فالترمبية لديها قواعد جماهيرية تؤمن بما طرحه ترمب في فترته الأولى، وفي تصريحاته الحالية كمرشح، وتقوم على منع الحروب، واستعادة عافية الاقتصاد الأميركي المحلي، وخفض الضرائب، والامتناع عن التدخل في السياسات العالمية، وقد يصل إلى الانسحاب من المنظمات الدولية، وقد فعلها عندما انسحب من اتفاقية «باريس للمناخ»، و«الترمبية» لا تخفي توجهاتها المحافظة، خصوصاً في التعليم والصحة والإجهاض، وهو عكس ما تؤمن به «الهاريسية»، الديمقراطية.
إذن، نحن أمام مسارين مختلفين يتعلقان بمستقبل أميركا، وبالتالي مستقبل العالم، لأن أميركا منخرطة في كل زاوية من زوايا العالم، ومن ثم فإن نجاح «الهاريسية» يعني أن العالم سيستمر مع السياسة الأميركية النمطية، بينما لو فازت «الترمبية»، فإننا سنشهد عالماً مختلفاً قد تتغير معه قواعد اللعبة التي استمرت أكثر من ثمانية عقود، ففي هذه المرة سيأتي دونالد ترمب، حاملاً أجندة انعزالية تقوم على الابتعاد عن ملفات العالم المزمنة.
إن الهوة الواسعة بين النظرتين «الهاريسية» و«الترمبية»، جعلت العالم ينتظر بحذر ما ستفضي إليه هذه الانتخابات، خشية أن تؤدي نتائجها إلى مسارات لها تأثيراتها العميقة على خرائط العالم، خصوصاً أننا أمام دراما غير مسبوقة في المشهد السياسي الأميركي الذي اتسم خلال عقد مضى بصعود وهبوط بين أقصى اليمن، وأقصى اليسار.
من ثم، فإنني أستطيع القول إن هذه المرة ستكون هناك بصمة أميركية مختلفة، عن كل مسار الرؤساء الأميركيين الستة والأربعين السابقين.