انتهت المناظرة بين (بايدن) و (ترمب)، لم يكن الأول على مستوى تطلعات ناخبيه وحزبه، وانتشرت أخبار تلمّح إلى أن الحزب الديمقراطي يبحث عن بديل له في الانتخابات الحالية، في المقابل فقد زها (ترمب) بهذه المناظرة أمام مناصريه، بعد أن أصبح في موقف أقوى في سباق الانتخابات. في هذا السباق، تلعب الخطط الاقتصادية الدور الأكبر للمرشَّحَين، والجدل الاقتصادي المستمر بينهما يسلط الضوء على الاختلافات الكبيرة في نهجهما لإدارة الاقتصاد الأميركي في التضخم، والدين العام، والرسوم الجمركية، ومعدل البطالة. ومع اقتراب الانتخابات الرئاسية لعام 2024، يواجه الناخبون قراراً حاسماً سيحدد المستقبل الاقتصادي للولايات المتحدة، فما المعالم الاقتصادية لكل منهما في فترته الرئاسية؟ وما أبرز الاختلافات في سياساتهما الاقتصادية المستقبلية؟
ورث الرئيس (بايدن) اقتصاداً يعاني من الجائحة منذ توليه المنصب، ركزت إدارته في البدايات على التعافي من آثارها، ولكنها واجهت تحدياً كبيراً وهو التضخم الذي ارتفع بنسبة 19.3 في المائة منذ توليه المنصب، ولم يغفل (ترمب) ذكر هذه النقطة مراراً وتكراراً، ويعود كثير من هذا التضخم إلى اضطرابات سلسلة التوريد المتعلقة بالجائحة وإجراءات التحفيز المالي الكبيرة التي نُفذت لدعم الاقتصاد، أما الرئيس السابق (ترمب) فقد تميزت فترته الرئاسية بالتقلبات الاقتصادية، وركزت سياساته على إلغاء القيود وخفض الضرائب والحماية الاقتصادية، وارتفع التضخم بنسبة 5 في المائة حتى مايو 2020 خلال فترة (ترمب)، وقد دُعم معدل التضخم المنخفض نسبياً خلال فترته بأسواق العمل الضيقة وأسعار الطاقة المستقرة.
على صعيد خلق الوظائف، أشرفت إدارة (بايدن) على خلق 15.6 مليون وظيفة، وهو إنجاز تاريخي يرجع جزئياً إلى الانتعاش الاقتصادي من الركود الناتج عن الجائحة. وقد هدفت سياساته إلى تعزيز أسواق العمل، بما في ذلك الاستثمارات الكبيرة في البنية التحتية والطاقة النظيفة، أما (ترمب)، على الرغم من افتخاره بمعدلات البطالة التاريخية المنخفضة خلال فترته الرئاسية، فإن فترته شهدت خسارة صافية بلغت 12.6 مليون وظيفة، وذلك بسبب رئيسي وهو الجائحة نهاية توليه الرئاسة.
فيما يتعلق بالدين العام، فقد أضافت إدارة (بايدن) 4.3 تريليون دولار، مع إنفاق كبير على الإغاثة من الجائحة ومشاريع البنية التحتية. ومع ذلك، اقترح (بايدن) زيادة الضرائب على الأثرياء لمعالجة التحديات المالية، وهي أحد أكبر الاختلافات بين المرشحين، وقد نما الاقتصاد الأمريكي بنسبة 8.4 في المائة منذ توليه المنصب، بدعم من الإنفاق الاستهلاكي القوي والاستثمارات الحكومية والتعافي القوي من الجائحة، في المقابل، فقد أضاف (ترمب) 8.4 تريليون دولار إلى الدين العام، مع مساهمين رئيسين هما قانون تخفيضات الضرائب لعام 2017 والإنفاق الكبير المتعلق بالجائحة. نما الاقتصاد بنسبة 6.5 في المائة خلال فترة (ترمب)، مدعوماً بخفض الضرائب وتدابير إلغاء القيود التي هدفت إلى تحفيز الاستثمار التجاري والنشاط الاقتصادي.
على صعيد السياسات المستقبلية، تسلط السياسات الاقتصادية للمرشحين الضوء على نهجهما المختلف بشكل جوهري في إدارة الاقتصاد الأمريكي. ففيما يتعلق بالتجارة والرسوم الجمركية، يحتفظ (بايدن) ببعض الرسوم الجمركية لـ (ترمب) ولكنه يفضل الزيادات المستهدفة، مثل السيارات الكهربائية الصينية، بهدف تحقيق التوازن بين حماية الصناعات الأمريكية والحفاظ على علاقات تجارية صحية، بينما يدعو (ترمب) إلى فرض رسوم جمركية واسعة النطاق على جميع الواردات لحماية الوظائف الأمريكية وتقليل العجز التجاري، وهو بذلك يواجه انتقادات بأن مثل هذه الرسوم يمكن أن تؤدي إلى زيادة الأسعار للمستهلكين وحروب تجارية محتملة.
فيما يتعلق بالدين العام والمسؤولية المالية، يدعو (بايدن) إلى زيادة الضرائب على الأثرياء لتقليل الدين العام، ويؤكد ضرورة المسؤولية المالية مع الاستثمار في البنية التحتية والبرامج الاجتماعية، بينما يعتمد (ترمب) على خفض الضرائب وإلغاء القيود لتحفيز النمو الاقتصادي، بحجة أن الاقتصاد المزدهر سيقلل في النهاية الدين العام. بشأن الضرائب والحوافز الاقتصادية، يخطط بايدن لتمديد تخفيضات الضرائب في عهد (ترمب) للأفراد الذين يكسبون أقل من 400 ألف دولار بينما يزيد الضرائب على الأثرياء والشركات، وهو يدعو إلى خلق نظام ضريبي أكثر «عدالة» واستخدام الإيرادات الضريبية لتمويل البرامج الاجتماعية وتقليل العجز، بينما يسعى (ترمب) إلى تمديد وتوسيع قانون تخفيضات الضرائب والوظائف، الذي خفض معدلات الضرائب على الشركات وقدم تخفيضات ضريبية كبيرة لأصحاب الدخل المرتفع، مجادلاً بأن خفض الضرائب سيحفز الاستثمار التجاري والنمو الاقتصادي.
إن هذه الاختلافات الجوهرية، تعكس الاختلاف الفلسفي الكبير والرؤى المختلفة بين المرشحين الرئاسيين، فيركز نهج (بايدن) على التدخل الحكومي، والبحث عن العدالة الاجتماعية والنمو المستدام، بينما يركز (ترمب) على إلغاء القيود، وخفض الضرائب، والحماية الاقتصادية، ومع استعداد الناخبين للاختيار بين هذين المسارين المتناقضين، ستلعب الفلسفات الاقتصادية المتناقضة دوراً حاسماً في تشكيل مسار السنوات المقبلة.