طارق الشناوي
ناقد سينمائي، وكاتب صحافي، وأستاذ مادة النقد بكلية الإعلام في جامعة القاهرة. أصدر نحو 30 كتاباً في السينما والغناء، ورأس وشارك في لجان تحكيم العديد من المهرجانات السينمائية الدولية. حصل على العديد من التكريمات، وقدم أكثر من برنامج في الفضائيات.
TT

مهرجان «كان»... الصعود على السجادة

استمع إلى المقالة

في مهرجان «كان» وعلى سلم قاعة لوميير رأينا عبر «الميديا» قبل أيام وعلى السجادة الحمراء، ممثلة مغمورة ملأت الوسائط الاجتماعية بصورها، على أمل أن تبدأ مشوار النجومية من على السجادة.

أتذكر جيداً تلك الراقصة الشهيرة التي كانت تحرص في التسعينات، على الزيارة السنوية إلى «كان»، ولم تكتفِ بهذا القدر، بل كانت عندما تلتقي نجماً عالمياً تحاول التعرف عليه وتوجيه دعوة لحضور مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، ومن بينهم سيلفستر ستالون، كانت تصطحب معها عادة ابنتها التي تتولى الترجمة، وبالطبع لم يلبِ ستالون الدعوة، شاهدناه بعدها بنحو 20 عاماً في مهرجان «الجونة»، استجابة لدعوة مؤسس المهرجان رجل الأعمال نجيب ساويرس، وحصل أيضاً على «نجمة الجونة».

السجادة الحمراء وسلم قاعة «لوميير» تحديداً، شهدت العديد من الحكايات المثيرة، روى لي مثلاً عمر الشريف أنه كان بصحبة فيلمه «حسن ومرقص»، الذي عرض في السوق على هامش المهرجان وشاركه في بطولته عادل إمام.

تلقى عمر دعوة لحضور الافتتاح، وعلى حد قوله وجد فتاة عربية جمالها لافت، وأمسكت بيده، قدمت نفسها على اعتبار أنها مطربة، ولم يكن عمر يعرف اسمها من قبل، رافقته وهو يصعد السلم، وبالطبع بدأت الكاميرات بمجرد رؤية عمر في التقاط الصور وبجواره الحسناء، وانهالت عليهما العدسات ومن كل الاتجاهات، وكما قال عمر الشريف إنه لم يلمحها بعد انتهاء درجات السلم، واختفاء المصورين، وفي اليوم التالي أخبره الأصدقاء أنه كان بصحبة النجمة اللبنانية الشهيرة هيفاء وهبي، المؤكد أن عمر لم يغضب فهو يرويها بكل أريحية ويعتبرها مجرد طرفة، ولا أدري إذا كان بعدها قد التقى هيفاء أم لا؟

المهرجان قبل أكثر من عشرين عاماً، تحديداً مطلع الألفية الثالثة، ومع زيادة عدد الفضائيات العربية، كان يشهد بالقرب من شاطئ «الريفييرا» حالة نشاط مكثف من النجوم، وأيضاً ممن يتطلعون للنجومية، الفضائيات كانت تعتبرها فرصة لتسجيل مادة برامجية، في ظل هذا الحضور العربي الكبير، وغالباً ليس لها علاقة مباشرة بالمهرجان، ولا حتى السينما، عدد منها ممكن توصيفه بـ«الهارد توك»، مستغلاً فقط أجواء «كان» الساحرة.

العديد من الأفلام المصرية كانت تعرض على هامش المهرجان في السوق، مثل «عمارة يعقوبيان»، أي أنها لا تحمل أي صفة رسمية، ورغم ذلك يتم تأجير سلم لوميير وينتقل النجوم بسيارات رولزرايس وتلتقط الكاميرات هذا الحدث، وتتابعه «الميديا» بكل أطيافها، وعدد من النجمات كن يصطحبن فريق عمل من القاهرة أو يؤجرن مصورين من «كان» لالتقاط صورهن على السجادة الحمراء.

وبعدها توقفت تلك العدوى، وانتقلنا إلى مرحلة أبعد، إنه الوجود الحقيقي في المهرجان، هذا العام مثلاً زاد عدد المشاركات العربية الرسمية في مختلف التظاهرات، وهو بالفعل ما نجحت السينما في تحقيقه بإبداع وإمتاع، كل التظاهرات لنا فيها أفلام «المسابقة الرئيسية» و«نظرة ما» و«أسبوع النقاد» و«أسبوعي المخرجين» وغيرها، وأكثر من مخرجة عربية شاركت في لجان التحكيم المختلفة، كما أن هناك حضوراً لافتاً داخل السوق، من خلال أجنحة لها أنشطة مكثفة مثل «الجناح السعودي»، الذي صار سنوياً يقدم نشاطاً جاذباً، يتناول معضلات السينما العربية وكيف نواجهها، وأحلام السينما العربية وكيف نحققها، كما أنه يتيح الفرصة للعديد من الأفكار لكي تتجسد سينمائياً، وعدد منها بالفعل تم تنفيذه ووجد طريقه للمهرجانات، وكانت البذرة الأولى هي جناح الفيلم السعودي، الذي تقيمه «هيئة الأفلام السعودية» منذ خمس سنوات.

الصعود على السلم والتقاط الصورة التي تتخاطفها الفضائيات، لم يعد يشكل حالياً أهمية عند السينمائيين العرب، ولكن كيف تنتج أفلاماً جديرة بالجوائز والمشاركة في المهرجانات وأيضاً تحظى بإقبال الجمهور؟

هذا هو الموضوع، وتلك هي المعضلة، التي نجحنا في تحقيقها بقوة في السنوات الأخيرة، ووصلنا فعلاً للذروة في تلك الدورة التي تحمل رقم 77. ولا أستبعد عند إعلان النتائج أن تتوج السينما العربية بأكثر من جائزة، بعد أن كان حلم البعض هو فقط التقاط صورة على السلم!