خبرت فجر الأحد أهم تجربة تكنولوجية عرفتها. جلست مع بعض الأصدقاء نتابع مسار الرد الإيراني على إسرائيل، لحظةً بلحظة، من واشنطن إلى طهران إلى تل أبيب، ومع كل منا «موبايل» في حجم راحة اليد. وعلى شاشته الصغيرة كنا نشاهد آخر طائرة يسمح لها بعبور أجواء الأردن، وحركة الطيران حول العالم، رحلة رحلة، وكأننا في لعبة أطفال، لذيذة وسهلة: الحرب العالمية بين يديك، أو الحرب العالمية ثانية بثانية.
لم يكن الأمر مسلياً. كان مفزعاً ويزداد خطورة مع كل «همسة» من «أبل»، وبيل غيتس، و«الحرس الثوري». حرب بالصواريخ العابرة ومئات المسيّرات. ولا عسكر. أزرار تطلق الطائرة، وأزرار تصطادها، ولوحة ضوئية تظهر لنا كيف خلت أجواء الشرق الأوسط إلا من حركة الطيور المذعورة من رهبة الفراغ المفاجئ.
يتطور الإنسان في الجو ويتخلف على الأرض. يحوِّل كل علم إلى سلاح، وتمارس الدول الاغتيال الفردي والقتل الجماعي بالاختراعات الحديثة والسلاح القديم، وكل وسيلة أخرى. ويسهر أهل هذه المسكونة وعيونهم على موبايلاتهم يرتعدون خوفاً من كبسة زر خاطئة.
طوال نصف سنة أظهرت همجية نتنياهو أن كل إبادة أصبحت محتملة بما فيها الإبادة الكبرى. وعاد كثيرون إلى كلام البرّاجين، وتوقعات السيدة ليلى عبد اللطيف، وموقفها من نهاية العالم.
منذ القرن التاسع عشر والعرّافون يجمعون على أن نهاية العالم سوف تبدأ في الشرق الأوسط. وكذلك السياسيون الموتورون مثل الروسي الشهير فلاديمير جيرونوفسكي الذي تنبأ للعرب بالعودة إلى حياة الإبل. وهو أيضاً من تنبأ بأن أوكرانيا لن تعود نائمة كدولة هذه السنة. وفي عام 1871 تكهن الماسوني الأميركي ألبرت بايك بسقوط قيصر روسيا وقيام دولة إسرائيل، واندلاع «الحرب العالمية الثالثة من الشرق الأوسط بسبب النزاع بين العرب واليهود».
قراءة الأحداث على «الموبايل» ليست أقل كرباً من قراءة توقعاتها في دورة الأفلاك وحركة النجوم التي تبعد ملايين السنين. في الحالات القصوى من اليأس والضعف يلوذ الإنسان بالأساطير وقارئي البخت. والواقعيون منا يلجأون إلى قراءة شاشة «أبل» قبل النوم... ومرحباً نوم.