عيد الأم هو ابتكار أميركي ولا يدخل مباشرةً تحت سقف الأمهات والأمومة التي حدثت في كل مكان في العالم منذ آلاف السنين، مثل عبادة اليونان لـ«كوبيلي» وهي إلهة الجبال، الطبيعة، الخصوبة لشعوب آسيا الصغرى وكان الرومان يسمونها أم الآلهة العظيمة، واحتفال المسيحيين في أوروبا بيوم أحد الأمومة، بينما في الكنيسة الكاثوليكية الرومانية فهو مرتبط بقوة مع صلاة مريم العذراء. أما في الإسلام فيعتقد بعض العلماء أن الاحتفال ما هو إلا تقليد عن الغرب، ويرى البعض الآخر أن لا ضرر في ذلك.
الأم رمز العطاء بلا حدود، والتضحية دون انتظار، والبذل من غير مقابل، والحنان الغامر، والقلب الرحيم، والعاطفة الجياشة، وذات الحضن الدافئ، والصدر الواسع الذي لا يضيق ولا يشيخ، لا تتأفّف ولا تتذمّر.
الأم كلمة صغيرة من حرفين: ألف وميم (أم). لكنها بحجم الكون كله، أنعم الله تعالى علينا بها. وكلمة الأم معناها «الوالدة»، كما ورد في معجم «مختار الصحاح». وأم الشيء أصله ومجمعه، لذلك سُميت «الأم» لكونها أصلاً، فهي مجمع خلق الإنسان، إذ يُجمع في رحمها وقد تفرّع عنها وهي عماده، وأم كل شيء أصله وعماده.
وقد ذُكرت الأم في القرآن الكريم: «ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهناً على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إليّ المصير». كما ذُكرت في حديث أبي هريرة الذي قال: «جاء رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا رسول الله، من أحق الناس بحسن صحابتي؟ (أي صحبتي) قال: أمك. قال ثم مَنْ؟ قال: أمك. قال: ثم مَنْ؟ قال: أمك. قال: ثم مَنْ؟ قال: أبوك». وهذا ليس انتقاصاً من وجود ومكانة وقيمة الأب، بل تقدير لوجود الأم وعطاءاتها ومكانتها. وحقاً أن «الجنة تحت أقدام الأمهات».
وقد صدق الأديب والشاعر المصري حافظ إبراهيم (1872-1932) في قوله «الأم مدرسة إذا أعددتها... أعددت شعباً طيب الأعراق»، فالأم منشئة الأجيال ولا يصلح المجتمع إلا بوجودها، وتبعه الشاعر الفلسطيني الذي ارتبط اسمه بشعر الثورة والوطن محمود درويش (1941-2008): «وتكبر فيّ الطفولة يوماً على صدر يوم... وأعشق عمري لأني إذا متّ، أخجل من دمع أمي» (غنّاها مرسيل خليفة). ولكن كيف نشأت فكرة «عيد الأم»؟
أرادت الناشطة الأميركية ابنة الديْر التي لم تتزوج أبداً آنا غارفيس Anna Jarvis (1864-1944) أن تحقق أمنية أمها آن ريفز غارفيس التي كانت تردد العبارة التالية: «في وقت ما، وفي مكان ما، سينادي شخص ما بفكرة الاحتفال بعيد الأم»، وتترجم رغبتها هذه بأنه إذا قامت كل أسرة من هذه الأسر المتحاربة مع بعضها البعض، بتكريم الأم والاحتفال بها سينتهي النزاع والكره الذي يملأ القلوب. بعد وفاة أمها، أقسمت آنا لنفسها بأنها ستكون ذلك الشخص الذي سيحقق رغبة أمها.
بدأت آنا بحملة شملت الوزراء ورجال الكونغرس ورجال الأعمال لإعلان يوم عيد الأم عطلة رسمية في أميركا، وكانت الكنيسة قد قامت بتكريم آنا في جرافتون وفيلادلفيا وبنسلفانيا في 10 مايو (أيار) عام 1908، وكانت هذه بداية الاحتفال بعيد الأم في أميركا، وفي عام 1911 شملت كل الولايات المتحدة الأميركية.
وتعود تسمية «عيد الأم» بهذا الاسم إلى إنشاء الجمعية الدولية ليوم الأم في عام 1012 حيث جاء مصطلح «يوم الأم» في صيغة المفرد (Mother’s Day) في اللغة الإنجليزية، وذلك تقديراً لدور الأم. وبعد سنوات من العمل الدؤوب انتهت بإعلان الرئيس الأميركي وودرو ويلسون (1856-1924) والكونغرس «عيد الأم» عطلة رسمية في الولايات المتحدة. بعد أن استخدمت هذه التسمية في سن القوانين عام 1914.
إلا أنه بالرغم من النجاح الكبير الذي حققته آنا غارفيس، أصيبت بإحباط وخيبة أمل عام 1920 بعد اتهامها من قِبل البعض بأنها فعلت كل ذلك من أجل أهداف تجارية بحتة.
ظهرت العديد من الاحتفالات في أميركا لتكريم الأمهات خلال عام 1870 إلا أنه لم يكن لها صدى على المستوى المحلي. ولم تذكر غارفيس كيف كانت محاولات الشاعرة والأديبة جوليا وارد (1819-1910) لإنشاء عيد الأم، كما لم تذكر أيضاً عن المحتجّين في الاحتفالات المدرسية الذين يطالبون بعيد الطفل. أضف إلى ذلك أن آنا غارفيس لم تذكر شيئاً عن تقاليد مهرجان الأم في يوم الأحد، ولكنها كانت دائماً تذكر بأن عيد الأم هي فكرتها.
أما بالنسبة للعالم العربي، فقد بدأت فكرة الاحتفال بعيد الأم في مصر على يد الأخوين مصطفى وعلي أمين، مؤسسي صحيفة «أخبار اليوم».
وهكذا كان أول احتفال لمصر بعيد الأم في 21 مارس (آذار) عام 1956 ومن مصر امتد إلى الدول العربية.
وقد كتب مصطفى أمين في عموده الشهير «فكرة» اقتراحاً بتخصيص يوم للأم، وكذلك علي أمين، ووافق أغلبية القراء، حيث شاركوا في اختيار يوم 21 مارس أول أيام الربيع للاحتفال بعيد الأم (ليكون رمزاً للنقاء والصفاء والمشاعر الجميلة)، وهو الأمر الذي يجعل حالة من الود بين والأمهات والأبناء. ولكن بالتأكيد يجب ألا يكون مقتصراً على هذا اليوم فقط.
كم كان عيد الأم قاسياً على نساء فلسطين؟!