مشاري الذايدي
صحافي وكاتب سعودي. عمل في عدة صحف ومجلات سعودية. اشتغل في جريدة المدينة السعودية في عدة أقسام حتى صار عضو هيئة التطوير فيها. ثم انتقل لـ«الشرق الأوسط» من 2003، وتدرَّج بعدة مواقع منها: المشرف على قسم الرأي حتى صار كبير المحررين في السعودية والخليج، وكاتباً منتظماً بها. اختير ضمن أعضاء الحوار الوطني السعودي في مكة المكرمة. وشارك بأوراق عمل في العديد من الندوات العربية. أعدَّ وقدَّم برنامجي «مرايا» وبرنامج «الندوة». في شبكة قنوات «العربية».
TT

واقع الدراما التاريخية العربية... واقع!

استمع إلى المقالة

أما وقد مضى ثلث رمضان المبارك، وهنا نحكي عن رمضان بوصفه موسماً للدراما، فربما يحسن الحديث عن جدل الدراما التاريخية.

كانت العادة سابقاً أن نتابع عملاً أو أكثر من الإنتاجات الضخمة، تتناول فصولاً من تاريخنا العربي والإسلامي، بشخصياته ومعاركه العسكرية والسياسية.

غير أن هذا الزخَم الذي اعتدناه فيما مضى، تناقص لصالح أصناف أخرى من المحتوى الدرامي - من غير غضٍّ منها - لكن أين الأعمال التاريخية المشهودة مثل (ربيع قرطبة) وبقية الأندلسيات، وصفحات من التاريخين الأموي والعباسي وما بعدهما؟

نعم يُعرض حالياً مسلسل عن «الحشّاشين» وزعيمهم الحسن بن الصبّاح صاحب قلعة وكر العقاب «الموت» وهو عمل لم أشاهده حتى الآن، لكن ما عرفته أنه عمل مصري ضخم الإنتاج من بطولة نجوم مثل (كريم عبد العزيز) وكتابة مبدع مثل الصديق (عبد الرحيم كمال)، وهذا يكفل له فرص النجاح والجودة.

بالعودة إلى جدل الدراما والتاريخ، فما المساحة «الحلال» للدراما في تناول التاريخ، أين يمكنها أن تتخيّل من دون أن تخلّ بالوقائع التاريخية المعلومة؟

يعني: هل يجوز لصنّاع الدراما العبث بالتاريخ وتفصيله من جديد، وعدم «احترام» الحقائق التاريخية الأساسية؟

مثلاً: هل يمكن تناول حياة نابليون الفرنسي وغزوه لمصر ونجعله شخصاً أسود البشرة هرب من الحبشة في طفولته، ثم لجأ لفرنسا التي كانت تحكمها وقتذاك سيدة آسيوية بدعوى أن الخيال الدرامي له الحق في ذلك؟!

د. محمد عفيفي، وهو أستاذ التاريخ بجامعة القاهرة والأمين العام الأسبق للمجلس الأعلى للثقافة، قال في حديث رصين لصحيفة «الشرق الأوسط» إن ثمة ضوابط ينبغي توافرها عند استلهام التاريخ في الأعمال الدرامية، ومن أبرز تلك الضوابط عدم تغيير الوقائع الثابتة تاريخياً، مثل سنوات وقوع الأحداث، أو الشخصيات المحورية الصانعة للحدث، لكنه يشير في الوقت ذاته إلى ضرورة عدم الانزلاق إلى عدّ الدراما التاريخية مرجعاً أو مصدراً تاريخياً، فهي في النهاية «عمل إبداعي يحمل رؤية صنّاعه من مؤلفين ومخرجين، ويحتمل وجود مساحة من الخيال».

تعليقي على ذلك أن الثقافة الحالية - مع شبه انعدام ثقافة القراءة من الكتب - تتعاطى مع الأعمال المشاهدة بطريقة مختلفة، فهي «المرجعية» المؤسِّسة لكثير من الناس عن فهمهم للتاريخ، لا يتعاملون معها على أنها «وجهة نظر» فنّية لصنّاع العمل.

وصدق المؤرخ د. عفيفي حين أرجع حالة الجدل التي تثيرها الدراما التاريخية إلى ما يصفه بـ«الأميّة التاريخية لدى معظم المتلقّين للمحتوى الدرامي».

ومع ذلك فإن استمرار إنتاج أعمال درامية عربية تاريخية حتى في ظل وجود أخطاء أو إثارة حالة من الجدل «أفضل كثيراً من غياب هذا النوع من الإنتاج الدرامي»، كما يشير عفيفي، بالنظر لحالة الـ«غزو» من طرف الدراما التاريخية التركية والإيرانية... وأتفق معه في هذا تماماً.

واقع الدراما التاريخية العربية... واقع في الحفرة.. إلا ما رحم الله.