د. ثامر محمود العاني
أكاديمي وباحث عراقي شغل العديد من المناصب الإدارية والأكاديمية، بينها إدارة العلاقات الاقتصادية بجامعة الدول العربية. كما عمل محاضرا في مناهج الاقتصاد القياسي بجامعة بغداد ومعهد البحوث والدراسات العربية. يحلل في كتاباته مستجدات الاقتصاد السياسي الدولي.
TT

الاقتصاد الصيني ومشكلة إيفرغراند

استمع إلى المقالة

تلي الصين واليابان، أميركا في تصنيف الاقتصاد العالمي لعام 2024، (المصدر فوربس) ثم بريطانيا وألمانيا والهند في الترتيب. وتتمتع كل دولة من هذه الدول، ببنية اقتصادية فريدة من نوعها، بما في ذلك الموارد الطبيعية وحجم السكان والسياسة والاتفاقيات التجارية، التي تحدد نفوذها المالي، تمتلك أميركا أكبر اقتصاد في العالم، حيث يبلغ الناتج المحلي الإجمالي 26.9 تريليون دولار، تليها الصين 17.7 تريليون دولار مع التركيز المتزايد على التصنيع والاستثمار، والهند أيضاً، هي اقتصاد آخر من بين العشرة الأوائل، والتي توجد فيها الطبقات المتوسطة الآخذة في التوسع مع قواعد استهلاك كبيرة.

وقد وجدت هذه المقدمة ضرورية لاستعراض موقع الصين الاقتصادي؛ إذ بعد عامين من التخلف عن السداد، وأكثر من عام من المداولات داخل محكمة هونغ كونغ، قال القضاء كلمة النهاية في قضية عملاق العقارات الصيني إيفرغراند، بعدما أمرت المحكمة بتصفية المجموعة العقارية العملاقة، في خطوة من المرجح أن يكون لها تأثير على الأسواق المالية في الصين مع سعي صناع السياسات لاحتواء الأزمة، والشركة الصينية العملاقة مدينة بأموال لنحو 171 بنكاً محلياً و121 شركة مالية أخرى، ويبلغ إجمالي التزامات المجموعة 313 مليار دولار، وهو ما يمثل 6.5 في المائة من إجمالي التزامات قطاع العقارات الصيني.

ومن حيث إجمالي السندات الخارجية القائمة، تمتلك إيفرغراند 19 مليار دولار، وهو ما يعادل نحو 9 في المائة من إجمالي سوق السندات الخارجية، وبشكل عام، تبلغ ديون المجموعة نحو 2 إلى 3 في المائة من رأس المال الأساسي للبنوك الصينية، وقررت الصين تعيين ألفاريز آند مارسال، مصفياً للمطور العقاري الأكثر مديونية في العالم، مع أكثر من 313 مليار دولار من إجمالي الالتزامات، بعد أن أكدت القاضية أن إيفرغراند لم تتمكن من تقديم خطة إعادة هيكلة ملموسة بعد أكثر من عامين من التخلف عن سداد السندات، وبعد جلسات استماع عدة في المحكمة؛ إذ أوضحت تشان أن تعيين مصفٍّ سيكون في مصلحة جميع الدائنين؛ لأنه قد يتولى مسؤولية خطة إعادة هيكلة جديدة لـ«إيفرغراند».

وقد باعت إيفرغراند بعض الأراضي بتخفيض بلغ 70 في المائة، ودفعت لبعض المزوّدين عقارات غير مكتملة عوضاً عن المال، لكن الأمور واصلت تفاقمها بعدما أعلنت وكالة «فيتش للتصنيف الائتماني» في نهاية عام 2021، أن إيفرغراند عاجزة عن السداد، إلا أن حمَلة الأسهم ليسوا الضحايا الوحيدين؛ إذ إن فقدان السيولة المالية أجبر الشركة في عام 2021، على وقف أعمال البناء في 800 مشروع، وهذا يعني أن 1.5 مليون شخص دفعوا مقدّماً للحصول على منازل، يواجهون خطر خسارة أموالهم.

وبلغت أصول إيفرغراند نحو 240 مليار دولار، وهي المطور الأكثر مديونية في العالم، حيث تبلغ التزاماتها ما يقرب من 300 مليار دولار. وتتوقع الأسواق أن يكون حاملو السندات الأجانب أكبر الخاسرين، وأن تكون الأولوية لأصحاب الشقق غير المكتملة، وتحمل إعادة الهيكلة أو البيع أيضاً أهمية أوسع بالنسبة للديون والعقارات وثقة المستثمرين، حيث تتكشف على خلفية انخفاض أسعار المنازل والضائقة الاقتصادية التي أدت إلى انخفاض أسواق الأسهم إلى أدنى مستوياتها منذ عدة سنوات.

من الجدير بالإشارة، أن الصين لديها نظام مالي غير تجاري، مما يعني أنها لن تواجه انهياراً مالياً مثل ليمان براذرز، ولكن حتى لو تم تفكيك إيفرغراند بعناية، فقد وقع قدر كبير من الضرر، ولا يريد أغلب المستثمرين أن يمسوا القطاع العقاري، الذي كان يمثل ذات يوم ما يقرب من ربع الناتج الاقتصادي، أو الصين، إلى أن يتم إصلاحه على النحو الصحيح، إذ إن المشكلة الرئيسية التي ما زالوا يواجهونها هي الافتقار إلى ثقة المستهلك، ما داموا أنهم لا يعرفون حقاً ما الذي سيحدث لهذه المنازل غير المبيعة، حيث هناك حالة من عدم اليقين لدى كل مستهلك.

وتوقّع صندوق النقد الدولي أن يستمر التباطؤ الاقتصادي الصيني في السنوات المقبلة، من خلال انخفاض الإنتاجية وتقدم السكان بالسن، إضافة إلى التوترات الجيو-سياسية وضعف الطلب العالمي، وتوقّع تقرير لصندوق النقد الدولي، أن يتراجع النمو إلى 3.5 في المائة بحلول 2028 مع وجود رياح معاكسة بسبب الإنتاجية الضعيفة وشيخوخة السكان، وكان الصندوق توقع سابقاً أن يسجل النمو خلال العام الحالي نسبة 4.6 في المائة، وهذا التباطؤ ناجم خصوصاً عن أزمة سوق العقارات المتواصلة منذ سنوات، وهو قطاع كان من دعائم النمو الرئيسية في الصين.

ومع التوسع الكبير، واجهت الشركة حجماً كبيراً من الديون، بدعم من أصولها وحجم أعمالها، لكن بعض المحللين يرون أن تحولاً في السياسات الصينية أدى إلى انفجار الوضع، ورأت أن الاستثمار في المصانع والتكنولوجيا يمثل المستقبل، أكثر من الاستثمار في العقارات، خصوصاً مع ظهور واتساع الفجوة الاجتماعية بشكل غير مسبوق، حتى إن الصين توجد فيها 4 من أغلى 10 مدن في العالم من حيث العقارات، ولذلك، فقد توقف الدعم للمطورين العقاريين، الذين صاروا مصدراً صافياً للقلق، مع تركز نحو 41 في المائة من أصول النظام المصرفي في أمور مرتبطة بالعقارات.

وفي خطوة حاسمة، أصدرت الحكومة المركزية 2021 قيوداً، وتشريعات جديدة تستهدف كبح تدفق الأموال نحو القطاع العقاري، وهو ما أدى إلى انخفاض كبير في وفورات لأسعار العقارات، وفي الوقت ذاته تقريباً، أصدرت الحكومة أوامر للبنوك لتمويل قطاعات التقنية والتصنيع عوضاً عن الرهون العقارية، فأدت هذه الإجراءات إلى انخفاض مبيعات العقارات بنسبة 40 في المائة، وستكون تصفية إيفرغراند العقارية المثقلة بالديون، عملية طويلة الأمد ومعقدة للدائنين، حيث إنها تكشف عمق الانكماش العقاري في الصين، وستحرم شركات البناء من الوصول إلى أسواق الديون العالمية، بينما أكدت الشركة أن هذا القرار لن يؤثر على عملياتها داخل الصين.

وفي الختام، على الرغم من أزمة عملاق العقارات إيفرغراند، لم يتأثر الاقتصاد الصيني كثيراً، وظل يحتل الموقع الثاني في ترتيب الاقتصادات العالمية وفق (Forbes)، إذ إن الاقتصاد الصيني يتمتع بمرونة وتماسك كبيرين، ويتكيف للهزات والأزمات المالية المحلية والعالمية.