د. جبريل العبيدي
كاتب وباحث أكاديمي ليبي. أستاذ مشارك في جامعة بنغازي الليبية. مهتم بالكتابة في القضايا العربية والإسلامية، وكتب في الشأن السياسي الليبي والعربي في صحف عربية ومحلية؛ منها: جريدة «العرب» و«القدس العربي» و«الشرق الأوسط» اللندنية. صدرت له مجموعة كتب؛ منها: «رؤية الثورات العربية» عن «الدار المصرية اللبنانية»، و«الحقيقة المغيبة عن وزارة الثقافة الليبية»، و«ليبيا بين الفشل وأمل النهوض». وله مجموعة قصصية صدرت تحت عنوان «معاناة خديج»، وأخرى باسم «أيام دقيانوس».
TT

خطة غالانت ومن سيحكم غزة!؟

استمع إلى المقالة

غزة التي أصبحت المباني والعمار فيها أكواماً من الدمار والخراب ليست في حاجة للاختيار لها من سيحكمها بقدر ما هي في حاجة لمن يعمّرها بعد الخراب الإسرائيلي فيها، في ظل تجاهل دولي لوجود «مليون شخص ليس لديهم مأوى آمن فيها»، هذا وفق تصريح لليونيسف، إحدى منظمات الأمم المتحدة، وليس تصريحاً لـ«حماس»، ليتم تكذيبه أو اتهامه بالمتاجرة بحجم الكارثة الإنسانية، والبعض يقترح من سيحكم غزة؟ في تجاهل تام للوضع الإنساني الكارثي.

أعتقد أن الوقت الآن الأولوية فيه للعمل الإنساني وإيواء النازحين وإعادة الحياة وإيقاف الحرب، أما من سيحكم غزة فهذا حق أصيل للغزاويين أهل غزة يختارون من يحكمهم ويتحملون نتائج حكمه، وإن أصبحت غزة أكواماً من الدمار والركام، وليست في حاجة لمن يحكمها، بل في حاجة لمن يفكها من بين أنياب الآلة العسكرية الشرسة والجبانة.

وفي ظل تغييب للواقع الإنساني الكارثي كُشف عن خطة غالانت، حيث ستكون إدارة غزة من أربعة أطراف، هي إسرائيل وقوى فلسطينية (شريطة أن لا تكون معادية لإسرائيل) وقوة متعددة الجنسيات ومصر. خطة غالانت، نشرت خبرها صحيفة «جيروزاليم بوست»، حيث قدمها لحكومة الحرب الإسرائيلية، التي تتبنى منطقاً يقول: «حماس لن تحكم غزة».

تجاهل المدنيين الذين أصبحوا ضحايا بين الطرفين دون أدنى احترام لقواعد الاشتباك هو العنوان الغائب في المرحلة الحالية، فقد حان الوقت للجم إسرائيل للتوقف عن التهجير القسري للمدنيين وإفراغ الأرض من سكانها وتجويع السكان بمنع الماء والكهرباء والطعام والدواء، وأي شكل من أشكال المساعدة الإنسانية.

لن تجد من سيحكم غزة بعد عملية التدمير والقتل والتهجير التي قامت بها القوات الإسرائيلية في غزة بهمجية ووحشية، ضاربة بكل قوانين الحرب عرض الحائط، والتي ما هي إلا محاولة لإفراغ غزة من أي وجود فلسطيني ودفعه باتجاه مصر، وإحداث تغيير ديمغرافي كبير، وهذا المخطط ليس بالجديد.

وفق خطة غالانت، إسرائيل تعتزم عزل المناطق الحدودية مع مصر بالوسائل التكنولوجية، بالتفتيش الأمني، مما سيجعل غزة مجرد سجن كبير مفتوح لأكثر من مليوني فلسطيني أشبه بمعتقلات الفاشية الإيطالية لليبيين إبان الاحتلال الإيطالي، حيث جُمع آلاف من الليبيين في برقة خلف الأسلاك الشائكة في أكبر عملية إبادة عرفها التاريخ المعاصر، تتشابه اليوم مع ما يجري في غزة، لكن بالتكنولوجيا بدلاً من الأسلاك، فخطة غالانت تشمل تعزيز الحدود بين القطاع ومصر بوسائل إلكترونية بدعم من واشنطن.

غزة خالية من «حماس»، أم غزة خالية من الفلسطينيين، فحرب إسرائيل الهمجية لم تطل المقاومين وقادتهم سوى مقتل قيادي اغتيل بشقة في بيروت أرادت إسرائيل توجيه رسالة لـ«حزب الله» من خلاله، لتبين أنَّها قادرة على اغتيالات أخرى تطول كوادرها، وبالتالي عليه الحياد في الحرب، بينما ما تقوم به آلة الحرب الإسرائيلية هو حرب شاملة في غزة واضح أنها مسلطة على المدنيين العزل، فكيف نقتنع أن الحرب كانت فقط لإزاحة «حماس» عن حكم غزة، لكن إسرائيل كانت دائمة الحفاظ على شعرة معاوية مع بعض فصائل المقاومة الفلسطينية، لتبرير أي عمليات تقوم بها ضد الشعب الفلسطيني.

صحيح أنه ليس ببعض الفصائل تحيا غزة وخروجها من المشهد السياسي قد يكون مفيداً للشعب الفلسطيني وإنهاء الانقسام، ولكن يبقى هذا خياراً فلسطينياً خالصاً وليس لغالانت ولا غيره أن يقرر من سيحكم غزة.