وائل مهدي
صحافي سعودي متخصص في النفط وأسواق الطاقة، عمل في صحف سعودية وخليجية. انتقل للعمل مراسلاً لوكالة "بلومبرغ"، حيث عمل على تغطية اجتماعات "أوبك" وأسواق الطاقة. وهو مؤلف مشارك لكتاب "أوبك في عالم النفط الصخري: إلى أين؟".
TT

أحاديث وزير المالية السعودي عن النفط

استمع إلى المقالة

الاقتصاد السعودي على شفير ركود، بعد أن انكمش الناتج المحلي الإجمالي، في الربع الثالث، بنسبة 4.4 في المائة، وإذا ما استمر الانكماش، في الربع الرابع، فسوف يدخل في ركود بصورة رسمية.

ومع هذا كان وزير المالية السعودي، محمد الجدعان، خلال إعلان الميزانية، في الأيام الماضية، مليئاً بالتفاؤل حول وضع الاقتصاد والميزانية في الأعوام العجاف المقبلة حتى 2026.

الجدعان أوضح، للصحافيين، أن تقديرات أسعار النفط في موازنات السعودية دائماً متحفظة؛ ولكنه توقّع أن يكون الوضع أفضل، وقد لا نرى عجزاً.

وزارة المالية ووزارة الطاقة لديهما سيناريوهات لأسعار النفط مبنية على احتمالات عدة. وفي سيناريوهات ميزانية عام 2024، فإن الميزانية في السيناريو الأفضل قد تشهد فائضاً قدره 234 مليار ريال، ولكن في السيناريو الأساسي، من المتوقع أن نشهد عجزاً بقيمة 79 مليار ريال.

ماذا يعني هذا؟! وماذا يعني حديث وزير المالية؟!

هذا يعني أننا يجب أن نستعدّ لسوق نفطية أقرب للضعف منها إلى القوة، والسبب في ذلك هو أن الإيرادات النفطية لن تذهب بعيداً عما هي عليه في 2023.

ولكن لماذا السوق النفطية ضعيفة، رغم كل التخفيضات في الإنتاج التي قدّمتها دول تحالف «أوبك بلس» حتى الآن؟

أولاً، لا يوجد تفاؤل عالمي حيال نمو الصين وباقي الاقتصادات الآسيوية والناشئة، وهي التي تستهلك مزيداً من النفط.

ثانياً، تأثير الأوضاع النقدية والسياسات على السوق النفطية للعقود الآجلة في نيويورك ولندن، والتي شهدت خروج سيولة كبيرة، هذا العام، بسبب عاملين؛ الأول هو ارتفاع الفائدة، وتوجه جزء من السيولة لأسواق السندات والدخل الثابت. وثانياً الحرب التي تشنها «أوبك» على المضاربين في السوق.

ثالثاً عدم وجود تفاؤل لدى السوق بفاعلية تخفيضات «أوبك بلس»، حيث لا تتوقع جهات كثيرة أن تسهم كل تخفيضات التحالف، في الربع الأول من العام المقبل، في الحد من بناء المخزونات النفطية بأكثر من 370 ألف برميل، أو 700 ألف برميل، في حال ما إذا التزمت الدول بالخفض بجدية.

ما يؤسف حقاً هو أن السوق لم تعد تستجيب لقرارات «أوبك بلس»، وقد يكون لطريقة التواصل مع السوق، وكثرة التصريحات والتكهنات، دور في ذلك.

ما يهمُّ السعوديين في حديث وزير المالية رغم ذلك هو التطمينات التي أرسلها بأن العجز ليس نتيجة صرف استهلاكي؛ بل إنفاق رأسمالي سيسهم في تنمية البنية التحتية للبلد، وستكون له انعكاسات مستقبلية.

هذا الإنفاق هو ما سيجعل الاقتصاد ينمو - أو على الأقل يمكنه أن يواجه الصدمات الخارجية. وفي هذا الجانب، فإن الاحتياطيات الحكومية في البنك المركزي كافية لتجنيب الاقتصاد أية صدمة لحين تعافي سوق النفط. ومع هذا فإن كل دول تحالف «أوبك بلس» قلقة حيال مستقبل السوق والأسعار في 2024، وسننتظر جميعنا، حتى الربع الأول، لمعرفة اتجاه السوق ومدى نجاح خطط التحالف الحالية، التي يبدو أنها لن تكفي... ولهذا قد تتخذ الدول مزيداً من الإجراءات المؤلمة.