كارلوس لوزادا
TT

حول المنافسة بين ترمب وبايدن

استمع إلى المقالة

يؤيد ثلث الأميركيين فقط الرئيس جو بايدن، بينما يرغب ثلثا الديمقراطيين والناخبين ذوي الميول الديمقراطية في ترشح شخص آخر للرئاسة (لا أحد على وجه الخصوص، فقط شخص آخر، من فضلك).

على الجانب الآخر، يعدّ ترمب المرشح الأوفر حظاً ليصبح مرشح الحزب الجمهوري للمرة الثالثة على التوالي، لكن مجمل معدل تأييده أقل من معدل تأييد بايدن. وفي الوقت الذي لا يرغب 60 في المائة من الناخبين في إعادة ترمب إلى البيت الأبيض، فإن 65 في المائة لا يريدون منح بايدن ولاية ثانية. وبذلك، يبدو أن الشيء الوحيد الذي يتفق حوله الأميركيون أن مباراة الإعادة بين بايدن وترمب عام 2024 غير مقبولة على الإطلاق.

وربما يعكس هذا النفور الشكاوى المعتادة لدى الناخبين من المرشحين. بيد أنه في الوقت ذاته، قد يعكس هذا النفور إحجاماً عن الاعتراف بمعنى المواجهة بينهما وحتمية اتخاذ القرار بشأنها. ومن شأن المنافسة بين بايدن وترمب إجبار الأميركيين إما على إعادة التأكيد على المبادئ الديمقراطية الأساسية أو تجاهلها. وأكثر من أي ثنائي آخر، يجبرنا بايدن في مواجهة ترمب على اتخاذ القرار، أو على الأقل توضيح، بخصوص حقيقة هويتنا وماذا نسعى جاهدين لنكون.

يخوض ترمب الانتخابات باعتباره مرشحاً صريحاً. إنه يرفض القانون إلا عندما يتمكن من تسخيره لمصلحته؛ وكذلك يرفض التعبير المفتوح، إلا عندما يتملقه في كل مكان؛ ويرفض الانتخابات الحرة إلا عندما تتمخض عن انتصارات تروق له. وسبق أن دعا ترمب إلى «القضاء على» الدستور، بناءً على ادعاءاته المستمرة بتزوير الانتخابات لعام 2020.

أما رؤية بايدن المطروحة أمام الناخبين – خلال الأعوام 2020 و2022 و2024 – فتقوم على الحفاظ على التقاليد الديمقراطية الأميركية. وفي مقطع الفيديو الذي أعلن فيه عن حملته الانتخابية لعام 2020، أكد أن «ديمقراطيتنا ذاتها» كانت على المحك في السباق الانتخابي ضد ترمب.

وفي خطاب ألقاه قبل شهرين من انتخابات التجديد النصفي، العام الماضي، أكد أن ترمب وحلفاءه «يمثلون التطرف الذي يهدد أساس جمهوريتنا». وأظهر مقطع الفيديو الذي يبدأ به محاولة إعادة انتخابه لعام 2024 مشاهد متعددة للهجوم على مبنى الكابيتول في 6 يناير (كانون الثاني) 2021. وقال بايدن: «السؤال الذي نواجهه؛ هل سنتمتع في السنوات المقبلة بحرية أكبر أم أقل؟ هنا يكمن خيارنا عام 2024».

ومثل كثيرين آخرين، أتمنى أن نتمكن من تجنب هذا الاختيار، أو على الأقل تأجيله. وعلى حد تعبير الصحافية إيمي والتر، فإن «الناخبين المترددين يفضلون تناول قطع من الزجاج، بدلاً عن الاضطرار إلى الاختيار بين ترمب وبايدن مرة أخرى». عندما يعتقد نصف سكان البلاد أن الديمقراطية لا تعمل بشكل جيد، وعندما تصبح الدعوات إلى العنف السياسي شائعة، وعندما ينكر رئيس مجلس النواب الانتخابات، فهذا هو الوقت المناسب لمواجهة ما نخاطر بأن نصبح عليه وقبوله أو رفضه. ليس لدينا خيار سوى الاختيار.

حتى لو أدى مزيج من تردي الحالة الصحية والإجراءات القانونية إلى دفع بايدن وترمب جنباً بطريقة أو بأخرى، وظهور بعض المرشحين المحبوبين مكانهم، فلن نتمكن ببساطة من إعادة السنوات الثماني الماضية. الحقيقة أن أميركا ستظل تواجه الاختيارات والإغراءات التي يمثلها بايدن وترمب، ولن يتغير الاختيار، ولو تغيرت الوجوه.

كشف استطلاع حديث أجرته صحيفة «نيويورك تايمز» بالتعاون مع كلية سيينا، تقدم ترمب على بايدن في 5 ولايات حاسمة. كما طرح الاستطلاع على الناخبين المسجلين عن المرشح الذي يثقون به بخصوص عدد من الملفات الرئيسية. فاز ترمب بملفات الاقتصاد والهجرة والأمن الوطني. ونال بايدن درجات أعلى في ملفين فقط. يتمثل الملف الأول في الإجهاض، وهو أولوية أساسية بين الناخبين الديمقراطيين.

أما القضية الثانية التي يحظى بخصوصها بايدن بثقة أكبر، لكن بفارق ضئيل، فهي الديمقراطية. وتتجلى هذه الميزة بوضوح بين الناخبين أصحاب البشرة الداكنة، الذين يثقون ببايدن مقارنة بترمب بنسبة 77 في المائة إلى 16 في المائة فيما يخص الديمقراطية، وكذلك الناخبون من أصل لاتيني، الذين يفضلون بايدن بنسبة 53 في المائة إلى 38 في المائة. «على النقيض من ذلك، انحاز الناخبون البيض إلى ترمب بنسبة 50 في المائة مقارنة بـ44 في المائة في بايدن بشأن هذه القضية». وتوفر مسألة حماية الديمقراطية الأميركية رسالة محتملة لبايدن، خاصة بين عناصر التحالف الديمقراطي.

ومن الغريب أنه حتى في الوقت الذي يبدو فيه أن الناخبين لا يريدون أي من هذين المرشحين ــ ناهيك عن كليهما في الوقت نفسه ــ يبدو أن بايدن وترمب يحتاج أحدهما إلى الآخر. الحقيقة أن حجة بايدن لإنقاذ الديمقراطية الأميركية تفقد جزءاً من الإلحاح إذا لم يكن ترمب في السباق.

على سبيل المثال، لا أستطيع تخيل أن ترشح نيكي هيلي سيثير قدراً كبيراً من الدراما السياسية من جانب الرئيس. وبالمثل، فإن عقدة الاضطهاد لدى ترمب، القوية دوماً، تتعزز مع وجود بايدن في موقف المنافس له. ويمكن للرئيس السابق أن يبرهن على أن لوائح الاتهام والمحاكمات التي يواجهها تأتي في إطار جهود الإدارة الحالية - والمنافس السياسي لترمب - للبقاء في السلطة.

وبطبيعة الحال، لقد واجهنا هذا الاختيار بالفعل عام 2020. والآن، لماذا نصر على إعادة الأمر؟ لأن الدولة التي تقترب من عامها الـ250 لا تملك ترف وصف نفسها بأنها «تجربة» إلى الأبد؛ وهذه اللحظة المناسبة لتقييم نتائج هذه التجربة. ولأن 6 يناير لم يكن الهجوم الأخير من جانب أولئك الذين يريدون تجاوز إرادة الناخبين، يمكن تصوير فوز ترمب الوحيد عام 2016 باعتباره انحرافاً مؤقتاً عن المسار، إذا أعقبته هزيمتان متتاليتان. في المقابل، فإن عودة ترمب عام 2024 من شأنها أن تؤكد انزلاق أميركا نحو الحكم الاستبدادي، وستجعل فترة ولاية بايدن الوحيدة أقرب لفترة خلو العرش، نقطة مؤقتة في مسار التاريخ. واليوم، أصبح لزاماً علينا الاختيار مجدداً، لأن الحمى لم تنتهِ، وإنما بدلاً عن ذلك، فإنها تهدد بتحطيمنا.

* خدمة «نيويورك تايمز»