د. ياسر عبد العزيز
TT

«منتدى الإعلام العربي»... وأسئلة المستقبل

استمع إلى المقالة

في الأسبوع الماضي، تواترت الأنباء مجدداً بشأن تطورات «الذكاء الاصطناعي»، الذي تملأ أخباره الدنيا وتشغل الناس، وفي القلب من تلك الأنباء كان السؤال الذي يحافظ على وجوده وإلحاحه باطراد: ما مستقبل الصحافة والإعلام في ظل فورة هذا الذكاء غير البشري؟

لذلك، لم يكن مستغرباً أن يخصص «منتدى الإعلام العربي» في دبي، قطاعاً كبيراً من مناقشاته وجلساته لتقصي أخبار التطورات الحاسوبية الجديدة، ومحاولة استشراف أثرها في مستقبل الإعلام، ومستقبل الإعلامي المُحترف أيضاً.

وعلى مدى يومي 26 و27 سبتمبر (أيلول) الماضي، اجتمع مئات الخبراء والمهنيين، في حضور آلاف المشاركين المهتمين، في المنتدى، الذي عقد دورته الـ21 تحت عنوان «مستقبل الإعلام العربي»، ليحاولوا استشراف أثر التطورات الجديدة على مستقبل قطاع الإعلام الإقليمي والدولي.

لا يتوقف «منتدى الإعلام العربي» منذ انطلاقته في عام 2001 عن مقاربة قضايا مستقبل الإعلام، ومحاولة بناء الوسائل اللازمة للتعامل معها، بما يخدم القطاع، ويعزز فرص وفائه بدوره الآخذ في الاتساع. وبينما كان «المنتدى» يعقد جلساته المُهمة والمشوقة، تواترت الأنباء عن إعلان شركة «أوبن أيه آي»، التي طورت مساعدها الأهم «تشات جي بي تي»، عن اكتساب هذا المساعد القدرة على تصفح «الإنترنت»، وإطلاع مستخدميه على آخر المستجدات وصولاً إلى الوقت الراهن، بعدما كانت قدراته لا تمكنه سوى من تقديم الإجابات استناداً على بيانات تنتهي عند سبتمبر 2021.

سيرفد هذا الاختراق «تشات جي بي تي» بميزة جديدة، تجعله أكثر قدرة على التحديث والاستجابة، وتقلل من عجزه عن ملاحقة التطورات وتلبية طلبات المستخدمين النهمين.

وبموازاة هذا الخبر، كانت شركة «أمازون» العملاقة تعلن أنها ستستثمر أربعة مليارات دولار أميركي في شركة «أنثروبيك» لـ«الذكاء الاصطناعي»، بما يُمكّنها من الثبات في المنافسة العالمية الشرسة. وسيذهب جُل هذا الاستثمار الضخم إلى تطوير أداة «كلود»، التي تنافس «تشات جي بي تي» ثمرة شراكة «مايكروسوفت» مع «أوبن أيه آي»، بما يجعل الأولى قادرة على تلبية طلبات أكبر للمستخدمين.

إنها مجرد بداية، كما يقول الخبراء المتخصصون، وستتدفق بعدها مليارات أخرى من الدولارات لتطوير تلك الأدوات، وربما إطلاق أدوات جديدة ستأخذ حصصاً من السوق الآخذة في النمو.

وبموازاة هذين الخبرين، قرأنا خبراً جديداً عن مضيّ مارك زوكربيرغ رئيس «ميتا» التنفيذي، قُدماً في استثماراته وجهوده لتعزيز «ميتا فيرس»؛ إذ تفيد الشركة بأن عدد المستخدمين الشهريين للأداة الجديدة بلغ 300 ألف مستخدم، وأن بعض نواحي القصور التي يشكو منها مستخدمون تبقى محل عناية واهتمام، ضمن هذا المشروع الطويل الأجل، الذي تراه الشركة ماضياً في «الاتجاه الذي يتخذه العالم».

وخبر آخر برز في الأسبوع الماضي، لا يقل أهمية ولا يعوزه المغزى؛ إذ أعلنت نقابة كُتّاب السيناريو الأميركية إنهاء إضراب الكُتّاب الذي دام قرابة خمسة شهور، بعد التوصل إلى «اتفاق مُرضٍ» مع تحالف منتجي «هوليوود».

لقد تم إنهاء هذا الإضراب بعد توقيع عقد يتضمن التزاماً من المنتجين بضمان حقوق الكُتّاب، وتحسين الأجور، ووضع قواعد لاستخدام «الذكاء الاصطناعي»، بما يضمن عدم الاستغناء عن قوة عملهم، لكن اعتصام نقابة ممثلي «هوليوود»، الذي أتم نحو 80 يوماً، لم يُفضّ بعدُ؛ إذ لجأت النقابة، التي تضم نحو 160 ألف ممثل، إلى هذا الإجراء الاحتجاجي بعدما لوّح المنتجون باستخدام «الذكاء الاصطناعي» بدلاً من الممثلين، لتقليل نفقات الإنتاج والحد من «خسائر» مزعومة.

لقد اقترح المنتجون في «هوليوود» أن يُمثل المُمثل البشري يوماً واحداً في الواقع، قبل إجراء مسح ضوئي لحركاته وانفعالاته، بحيث يمكن استخدام نتائجه في بناء مشاهد جديدة لا تحتاج ممثلاً بشرياً، وهو أمر قد يقوّض المهنة، ويرسل الممثلين إلى بيوتهم، كما يقول المحتجون.

تتضافر خلاصة تلك الأخبار، التي تدافعت كلها خلال أسبوع واحد، لتوضح لنا طبيعة ما يجري في هذا الإطار؛ ومفادها أن الاستثمارات تتدفق إلى قطاع «الذكاء الاصطناعي» و«الميتا فيرس» باطراد وبمليارات الدولارات. وأن المنافسة تحتدم بين الشركات في هذا المجال. وأن تحسينات وتعديلات تطرأ بانتظام على الأدوات الجديدة الفعالة. وأن ذلك يضغط بقوة على العنصر البشري، ويهدد بإقصائه أو تحجيم وجوده. وأن الوقوف بشكل مُنظم أمام تلك التحديات يمكن أن يُحسن شروط استخدام التقنيات الجديدة، ويحد من آثارها الضارة على المُبدعين والمُحترفين البشريين.

لذلك، كان «منتدى الإعلام العربي» مُوفقاً حين خصص دورته الأخيرة لمناقشة تلك التحولات، خصوصاً أن كثيراً من النقاشات التي دارت في أروقة «المنتدى» اتسم بالجدة والجدية في آنٍ، وأن افتتاح هذا المحفل الدوري المُهم نفذته مذيعة افتراضية اسمها «مي»، لم تكن أقل كفاءة من نظيراتها البشريات.