سمير عطا الله
كاتب عربي من لبنان، بدأ العمل في جريدة «النهار»، ويكتب عموده اليومي في صحيفة «الشرق الأوسط» منذ 1987. أمضى نحو أربعة عقود في باريس ولندن وأميركا الشمالية. له مؤلفات في الرواية والتاريخ والسفر؛ منها «قافلة الحبر» و«جنرالات الشرق» و«يمنى» و«ليلة رأس السنة في جزيرة دوس سانتوس».
TT

3 سوريات من مصر: «خلي بالك من زوزو»

استمع إلى المقالة

غريبة أوجه الشبه بين الأميرة من جبال سورية. وبين السورية التي ولدت في حي «الفوالة»، القاهرة، خصوصاً وعلى النحو التراجيدي الإغريقي، في غموض النهايتين: واحدة سقطت في الماء، وقيل إنها أُسقِطت، وواحدة سقطت من الدور السابع في أحد مباني لندن، وقيل أيضاً أُسقِطت. الأولى لأسباب لها علاقة بالمخابرات، والثانية أيضاً. أسمهان في عز نجاحها وألقها وشبابها، وسعاد حسني، وقد جفف العمر نضارتها وزادت في سمنتها سموم «الكورتيزون» والأدوية بحيث لم يعد أحد يتعرف إلى «السندريلا».

روى ساخر مصر الكبير ومحزونها محمود السعدني أنه كان متوجهاً إلى عيادة طبية في «هارلي ستريت» عندما التقى سعاد في الشارع، فدعاها أن ترافقه. كان الطبيب مصرياً. ولم ينتبه السعدني إلى تقديم سعاد، فقررت أن تغادر. عندها قال الطبيب بكل براءة: «الست ليه عاوزة تروّح»؟ وانفجرت الست بالبكاء. لم يعد أحد يتعرف إلى هذه الفاتنة التي مثلت 85 فيلماً بينها «خللي بالك من زوزو» الذي حطم أرقام شبابيك التذاكر.

عاشت سعاد حسني البابا، ابنة الخطاط السوري الشهير محمد حسني البابا، زمناً طويلاً تبهر طوابير مشاهدي السينما في مصر والعالم العربي. كانت تريد أن تكون مغنية، مثل شقيقتها نجاة الصغيرة، لكن نداء الشاشة غلب عليها، ولم تكن الخيارات عديدة أمامها. فالأب الناجح في الخطوط كان مهملاً في الأبوة. ملهيا بالنساء. ووجدت الصبية واسعة العينين أنها لا تجيد القراءة والكتابة، ولكن قدر لها النجم إبراهيم سعفان يعلمها نطق الحروف. وكان الجو من حولها مليئاً بالعاملين في الفن، وشقيقها عازف كمان في فرقة أم كلثوم. وسوف تعمل هي مع 37 مخرجاً، وتعقد خمس زيجات، أكثرها من فنانين، دام أحدها 10 أيام. وكان الزواج الأشهر من عبد الحليم حافظ، وقيل إنه دام ست سنوات، غير أن عائلة العندليب أصرت على أن الزواج لم يتم.

غنت السندريلا الصبية «أنا سعاد أخت القمر/ بسبب حسني بالبلاد اشتهر». لكن ها هو السعدني يكتب عن لقاء هارلي ستريت: «مليئة بالهم والغم وسوء الحال»، و«الكركورة»، و«صارت بدينة»، و«مصادر الناس في يد القدر وخطواتهم على جناح غراب».

كتب «العبد لله» هذا الرثاء المسبق دون أن يعرف عن الخاتمة المرعبة، وسواء كانت انتحاراً، أو لم تكن، فقد كانت أشبه بنهاية مفجعة من النوع الذي يتجنبه المخرجون عادة. المشاهد بفضل النهايات السعيدة، والناس تعودت على صورة السندريلا تضحك وترقص وتغزل عينيها الواسعتين وتغني «أنا أخت القمر».

كان غيابها الحزين مثار إشاعات ومشاحنات ورخائص كثيرة. الأقربون أكثر من الأبعدين.

إلى اللقاء...