ستيفن إم. والت
TT

أميركا... الجيش والدبلوماسية معاً

يولي الرئيس دونالد ترمب كثيراً من التقدير للجيش الأميركي. ولقد عين كبار الجنرالات في مناصب رفيعة في وزارة الدفاع، ومجلس الأمن القومي، ووزارة الأمن الداخلي، ودعا إلى زيادة كبيرة في الإنفاق العسكري. وكان سريعاً للغاية في توجيه الأمر بشن الضربات الصاروخية ضد النظام السوري بعد استخدامه الأسلحة الكيماوية المحرمة دولياً، كما أنه يخطط لإرسال مزيد من القوات الأميركية إلى أفغانستان.
وفي الأثناء ذاتها، هناك قدر ضئيل من الاهتمام بالدبلوماسية التقليدية.
إن القوات المسلحة الأميركية مثيرة للإعجاب بشكل كبير، ولكن تبجيل السيد ترمب المستمر للقوة العسكرية يتطلب الاهتمام بالدبلوماسية ذلك أن النجاحات في مجال السياسة الخارجية الأميركية تحققت على مائدة المفاوضات، وليس في ميدان القتال: تذكروا صفقة شراء لويزيانا، التي ضاعفت من مساحة البلاد في عام 1803، أو تشكيل منظمة حلف شمال الأطلسي، ومؤسسات بريتون وودز الاقتصادية، وهي من الإجراءات بعيدة النظر التي عززت من النفوذ الأميركي. وعلى نحو مماثل، ساعدت معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية في عام 1968 من انتشار هذه الأسلحة، ويسرت من عمليات رصد ومراقبة الدول ذات الطموحات النووية.
وتستمر القائمة: إذ أدى انفتاح الرئيس ريتشارد نيكسون على الصين في عام 1972 إلى تحقيق توازن القوى لصالح الولايات المتحدة، وساعد أيضاً في تسهيل خروج القوات الأميركية من مستنقع فيتنام، ونجحت قيادة الرئيس جيمي كارتر لمفاوضات السلام المصرية - الإسرائيلية في إنهاء الصرع الذي أسفر عن اندلاع أربعة حروب متتالية منذ عام 1948. كما أسفرت الجهود الدبلوماسية البارعة عن انهيار الاتحاد السوفياتي وإعادة توحيد شطري ألمانيا. وفي الآونة الأخيرة، أدت المفاوضات المتأنية إلى إبرام اتفاقية مع إيران أسفرت عن عكس توجهاتها نحو صناعة القنبلة النووية.
كان للولايات المتحدة أكثر من نصف مليون جندي على أراضي فيتنام، ورغم ذلك خسرنا الحرب. وكانت حرب الخليج في عام 1991 من الانتصارات العسكرية السريعة، غير أنها لم تسفر عن سلام مستقر في المنطقة. وتحول غزو العراق في عام 2003 إلى مستنقع باهظ التكاليف، وأدى إلى تعزيز النفوذ والوجود الإيراني، وأدى في نهاية المطاف إلى تكوين تنظيم داعش الإرهابي. واستمر قتال الجيش الأميركي في أفغانستان قرابة 16 عاماً، وتسيطر حركة طالبان اليوم على مزيد من الأراضي بأكثر مما كان عليه الوضع في عام 2001. وساعدت الغارات الجوية الأميركية في الإطاحة بالعقيد الليبي معمر القذافي عن السلطة في البلاد عام 2011، ثم تحولت ليبيا في الوقت الراهن إلى دولة فاشلة.
لم تكن هذه الحملات العسكرية فاشلة بسبب افتقار وزارة الدفاع الأميركية إلى الموارد، أو أن جنود الجيش الأميركي يفتقرون إلى الشجاعة أو البسالة القتالية، أو أن جنرالات وقادة الجيش الأميركي لا يعلمون شيئاً عن القيادة. بل لقد فشلت هذه الحملات بسبب أن قادة الولايات المتحدة إما أنهم قد اختاروا خوض المعركة الخاطئة أو أنهم لم يتمكنوا من ترجمة النجاحات العسكرية في ميادين القتال إلى حلول سياسية ناجعة. إن القوات العسكرية الجبارة قد لا تعني شيئاً على الإطلاق ما لم تقترن بالأهداف السياسية الواقعية وبالجهود الدبلوماسية المتماسكة.
ومن المؤكد أن القوة العسكرية يمكنها تيسير النجاح الدبلوماسي. إن الدبلوماسية أولاً وقبل كل شيء تدور حول الترتيبات المفيدة لكل الأطراف التي يتقبلها الآخرون ولا يتطلعون إلى الانقلاب عليها.
ومن المفارقات، أنه كلما صرنا أكثر قوة، ازدادت أهمية الجهود الدبلوماسية. إن القوة الأميركية العسكرية الهائلة تثير أعصاب حتى أقرب وأوثق الحلفاء لنا، وتعد الدبلوماسية ضرورية في تهدئة مخاوف الآخرين وإقناعهم بالمضي قدماً وراءنا. ويتطلب القيام بذلك وجود مسؤولين من أصحاب المعارف المتطورة بمصالح الدول الأخرى، مع التقدير الشديد للكيفية التي ينظر بها الآخرون إلى التصرفات الأميركية والوعي الأكيد أنه حتى أضعف الخصوم لديهم المقدرة على المقاومة إن فشلنا في إقناعهم. وذلك هو السبب في تحذير وزير الدفاع جيمس ماتيس الصريح، إذ قال: «إذا لم تفتحوا باب التمويل على مصراعيه لوزارة الخارجية، فلا بد أن أشتري مزيداً من الذخائر للجيش».
وما من شك في أن وزارة الخارجية سوف تستفيد من بعض الإصلاحات. ولكن وضع الدبلوماسيين الأميركيين على نظام غذائي يشتد بهم جوعاً ليس هو السبيل إلى إصلاح الوزارة. إن إفقار وزارة الخارجية الأميركية من شأنه أن يثني الفئات الذكية والطموحة عن دخول مجال الخدمات الدبلوماسية، ويجعل من الصعب كذلك على الموظفين الحاليين الحصول على التدريب المهني المطلوب للترقي في مناصبهم، الأمر الذي يقوم به الجيش الأميركي على الدوام وبكل فخامة.
إذا ما واصل السيد ترمب في تفضيل الجيش على الدبلوماسية، فسوف يزداد وقوع الولايات المتحدة في المشكلات، وإزعاج ومضايقة الحلفاء بما لا ضرورة منه، وتفقد القدرة كذلك على إنهاء الصراعات الراهنة بشروط مناسبة. إن الدبلوماسية من الأجزاء الأساسية في السياسة الخارجية للبلاد.
* خدمة «نيويورك تايمز»