أحمد جمعة
كاتب وإعلامي من البحرين
TT

بعد تفكيك أوباما... عودة ترمب للتركيب

شيء ما يحوم بتركيزٍ ملاحظ في المنطقة بعد التفكيك والتفتيت الذي خلفه بجسامة فادحة مشروع ما سُمي الربيع العربي، وما هو إلا ربيع الدم الذي ما زال نزفه مستمراً في بعض الثغور، لكن الأمر بدأ يتوقف كما يبدو واضحاً في ثغورٍ أخرى، ما يوحي بذلك في الفترة الأخيرة بعض النتائج التي تبدو وكأن التفكيك هذا بدأ يلملم قطعه على الأقل في اليمن والموصل، رغم خطورة البديل في الموصل إذا لم يُحجم الحشد الشعبي هناك، كذلك على الحدود التركية السورية مع تزايد العربات التي تحمل العلم الأميركي، وراحت تجول بحرية وكثافة متزايدة، باختصار ثمة منازلة بين أطراف كانت حتى الأمس غائبة عن المنطقة مما ترك الساحة شاغرة لإيران لسنواتٍ عجاف بمباركة من الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما الذي ترك مقعده وخلف وراءه خريطة معقدة من الدماء والحجارة والأشلاء البشرية على امتداد الساحة الإقليمية، مع كم من الفوضى رهيب، كدنا نفقد الثقة في كسر الجمود لولا نتائج الانتخابات الأميركية التي حملت رجل الأعمال الأميركي دونالد ترمب إلى سدة الحكم في أقوى دولة، ما قلب الطاولة في العالم وفي المنطقة العربية بوجه الخصوص، وحملني على طرح السؤال التالي: ماذا بعد التفكيك؟
روسيا لم تعد حركتها كما كانت بعد تسلل الجيش الأميركي إلى سوريا في وضح النهار، حتى لو كان ذلك بالتنسيق مع موسكو كما يزعم البعض، إلا أن واشنطن ترمب غيرت بعض القطع هناك وكسرت جمود أوباما. تركيا هي الأخرى في وضعٍ مربك ولا تحسد عليه لكن زيارة إردوغان لمنطقة الخليج العربي كشفت بشكل لافت أنها في مواجهة باردة مع طهران، في اليمن نشهد الآن تغييراً جذرياً في مسرح العمليات بعد الخسائر الجسيمة على الأرض وفي الحشود التي تكبدها الحوثي، حيث أضحى بعض من قطاعات الجيش الوطني والمقاومة الوطنية هناك على تخوم صنعاء، وهذا أمر مهم للغاية في استرداد اليمن من براثن طهران. حتى المشير خليفة حفتر قائد الجيش الليبي بدأت رياح ترمب تهب عليه.
كل هذا التداعي الذي بدأ يلوح بالأفق رغم الفترة القصيرة على مجيء الإدارة الأميركية الجديدة، يرجح أن قطع الدومينو العربية التي سقطت بدأ تركيبها على الرقعة الآن باتجاه استعادة التوازن الذي فُقد خلال حقبة أوباما.
ماذا تبقى أمامنا على رقعة قطع الخشب التي تفككت منذ ثماني سنوات ضارية؟ نتائج الزيارة التاريخية لولي ولي العهد السعودي لواشنطن عبر تطابق وجهات النظر بصورة فاجأت المراقبين، تشير إلى سياسة أميركية جديدة في المنطقة، وبهذا تكون إيران حقاً قد فرطت سبحتها وطفقت تبحث عن حسابات جديدة في المنطقة، وإن كان ظاهرها العجرفة والاستمرار في الاستفزاز، كما تفعل بإرسال بعض قواربها المألوفة لحدود دول المنطقة، لكن جوهرها تفضحه التحركات العلنية والسرية والتي تكشف للوهلة الأولى على الأقل، تفكك الصورة التي رسمتها طهران لها خلال السنوات التالية بعد تحقيقها التسوية النووية، هل نتسرع ونقول انتهى الحلم الإيراني؟ أنا لست من الذين يبنون تفاؤلهم على التغييرات في الإدارة الأميركية، ولكن يبدو جليا أن إيران قد أكلتها هذه المرة بكل المقاييس، والمرحلة ليست في صالحها وقد فهمت مغزى الرسالة الأميركية، ففريق ترمب الحالي من الجنرالات المتقاعدين الذين وظفهم في أخطر الوظائف، كالخارجية والدفاع و«سي آي إيه» هم ممن يرسمون نهاية للحلم الإيراني حتى لو كان ذلك من باب التحجيم.
خلاصة ما أقوله وما يلوح أمامي في الرؤية الراهنة أن بعض القطع وليست كلها، حتى لا أبالغ من التي تساقطت في الفترة الأوبامية عادت إلى رقعتها، والصورة في اليمن واضحة وموجة الزيارات الإيرانية لدول المنطقة تؤكد أن ثمة ترميما في المشهد، وأن هناك حجارة جديدة توضع مكان الحجارة التي تفتت، وهذا شيء جيد على الأقل حتى اللحظة، وهو سبب كافٍ لعبارة بداية المقال بأن ثمة شيئا يدور في المنطقة، خاصة عقب زيارة الأمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد السعودي لواشنطن وصور اللقاء التي بالتأكيد تابعتها طهران بقلق.

* كاتب وإعلامي من البحرين