عثمان ميرغني
كاتب وصحافيّ سوداني، نائب رئيس التحرير السابق لصحيفة «الشرق الأوسط». عمل في عدد من الصحف والمجلات العربية في لندن. متخصص في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية ومهتم بقضايا الاقتصاد العالمي والمناخ والبيئة.
TT

مشكلة أوروبا مع الإسلام

المهاجرون والإسلام والمسلمون باتوا قضية في قلب الجدل السياسي والانتخابي في عدد من الدول الأوروبية، إن لم يكن في الدول الغربية بشكل أوسع. من هولندا وفرنسا وألمانيا التي تعيش حمى الانتخابات، إلى بلجيكا والنمسا والمجر، وغيرها من دول القارة العجوز، يدور جدل واسع حول موضوعات الهوية والاندماج، ويجري النفخ في مناخ الإسلاموفوبيا باستخدام هاجس الأمن والإرهاب.
الانتخابات الهولندية التي جرت أمس سلطت عليها الأضواء بشكل غير مسبوق، بسبب الصعود اللافت لحزب الحرية اليميني المتطرف وزعيمه المثير للجدل غيرت فيلدرز. هذا الرجل جعل برنامج حزبه الصادر في صفحة واحدة فقط يتمحور حول وعوده بإغلاق جميع مراكز المهاجرين في البلاد، وحظر دخول المهاجرين من الدول الإسلامية، وإغلاق المساجد في عموم هولندا، وحظر القرآن. وعلى الرغم من أنه يتبنى في برنامجه الخروج من عضوية الاتحاد الأوروبي، فإنه عندما شعر بأن الناخب الهولندي ليس مستعداً بعد لهذه الخطوة، جعل التركيز الأكبر في خطابه على موضوع المهاجرين وما يعتبره «الخطر الإسلامي» على أوروبا وهويتها. وقد نجح بالفعل في فرض خطابه على الأجواء الانتخابية؛ مما اضطر رئيس الوزراء مارك روتي وحزبه الليبرالي إلى تبني لغة أكثر تشدداً في موضوع المهاجرين والهوية الوطنية، إلى حد نشر إعلان على صفحة كاملة بالصحف الهولندية اختتم بدعوة المهاجرين إلى الاندماج، وبجملة فيها تحد: «كونوا طبيعيين، أو ارحلوا».
انتخابات هولندا تعتبر اختباراً مهماً لظاهرة صعود اليمين المتطرف، وخطاب العداء للمهاجرين، والتخويف من الإسلام والمسلمين. فحزب فيلدرز ليس الوحيد الذي يلعب على المشاعر الشعبوية، وتحريك موضوع الدفاع عن السيادة والهوية الوطنية، والتخويف من «الخطر الإسلامي». ففي فرنسا تلعب ماري لوبان، زعيمة حزب الجبهة الوطنية المتطرف، على هذه القضايا أيضاً في إطار حملتها لانتخابات رئاسة الجمهورية التي ستنطلق جولتها الأولى أواخر الشهر المقبل. وفي ألمانيا يأمل حزب «البديل لألمانيا» الشعبوي المتطرف في توظيف خطاب العداء للمهاجرين، خصوصاً من الدول العربية والإسلامية، ضد المستشارة أنغيلا ميركل التي فتحت الأبواب أمام المهاجرين خصوصاً من سوريا وأفغانستان، قبل أن تضطر إلى تقييدها بعد الهجمات الإرهابية التي شهدتها البلاد وتنامي أجواء الشك والعداء إزاء المهاجرين.
السؤال هو: هل هناك «خطر إسلامي» بالفعل على أوروبا وهويتها ومجتمعاتها؟
في مقالي الأسبوع الماضي تناولت مسألة التهويل والتضخيم والانطباعات الخاطئة حول «الخطر الإسلامي» على أوروبا، واستغلال أحزاب اليمين المتطرف والعنصري للصور النمطية السلبية عن الإسلام والمسلمين للتكسب السياسي والانتخابي. هناك شواهد كثيرة على هذا الأمر، لكنني سأشير هنا إلى الاهتمام الذي حظي به الحكم الصادر عن المحكمة الأوروبية أول من أمس في قضيتين متعلقتين بالحجاب في مواقع العمل. فالحكم، وإن كان يتعلق بقضيتين في بلدين فقط هما بلجيكا وفرنسا، إلا أنه يعكس أجواء الجدل حول الإسلام والمسلمين في أوروبا.
المحكمة الأوروبية قضت بأن من حق أصحاب العمل والشركات حظر ارتداء الحجاب ما دام المنع لا يستهدف مجموعة معينة، بل ينطبق على كل العاملين، ويكون مضمناً في لوائح ونظم العمل، ويشمل كل مظاهر الزي التي ترمز إلى تعبير ديني أو سياسي أو فلسفي، بغض النظر عن الديانة أو المعتقد. الموضوع كان يتعلق أساساً بقضية الحجاب والجدل الذي يدور حولها منذ سنوات، لكن نظرة فاحصة للأمر ستدلنا على مشكلة التضخيم. فالمعهد البلجيكي لتكافؤ الفرص على سبيل المثال يقدر عدد السيدات اللاتي يرتدين النقاب في بلجيكا بنحو 215، بينما عدد اللاتي يرتدين الحجاب أكثر من ذلك، لكنه يقدر ببضع مئات وليس بالآلاف. وفي فرنسا التي تضم أكبر أقلية مسلمة في أوروبا (5 ملايين مسلم)، تشير التقديرات إلى أن نحو ألفي امرأة فقط يرتدين الحجاب الكامل. أما النمسا التي تبنت حكومتها في مطلع العام الحالي قراراً بحظر الحجاب في المؤسسات العامة مثل المدارس والمحاكم، فإن بعض التقارير أوردت أن عدد النساء اللائي يرتدين الحجاب أو النقاب ربما لا يزيد على 150 فقط.
التضخيم جزء من المشكلة يستغله المستفيدون من النفخ في أجواء المبالغة والتخويف، ويسهم فيه المسلمون أيضاً؛ ذلك أن المسلمين يمثلون أقلية في أوروبا لا تتجاوز 5 في المائة في مجملها، لكنهم في أغلب الأحيان يعيشون في تكتلات وتجمعات في أحياء ومدن بعينها، ينقلون معهم في كثير من الأحيان عاداتهم وتقاليدهم، فيبدون كما لو كانوا أكبر من أعدادهم الحقيقية. أضف إلى ذلك، أن هناك مشكلة اندماج لا يمكن إنكارها، وتحتاج إلى معالجتها بصراحة وحصافة من الجاليات الإسلامية.
هناك جانب آخر من المشكلة يتعلق بأقليات متشددة وسط المسلمين، لكنها عالية الصوت، وتمكنت من اختطاف المشهد لتسهم بشكل كبير في إثارة المخاوف وتغذية الخطاب المبالَغ فيه عن «الخطر الإسلامي على أوروبا»، وهذا موضوع ربما يحتاج إلى عودة أخرى.