مشعل السديري
صحافي وكاتب سعودي ساخر، بدأ الكتابة في الصحف السعودية المحلية، ثم في صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية، تتميز كتاباته بالسخرية اللاذعة، ويكتب عموداً ثابتاً في «الشرق الأوسط».
TT

الكلمة التي {فرستني}

أصدر أحد القضاة الأميركيين حكمًا بالسجن لمدة شهرين على تاجر باع سلعة بأكثر من التسعيرة، والطريف في هذا الحكم أنه نص على أنه يتم تنفيذه يومي السبت والأحد من كل أسبوع إلى أن يتم مدة حبسه. أما بقية أيام الأسبوع، فيطلق سراحه لمزاولة عمله. وجاء في حيثيات الحكم أن القانون وإن كان يقضي بإدانة المتهم، فليس هناك ما يبرر القضاء على مستقبله بغلق متجره شهرين متتابعين.
سؤالي هو: هل كان ذلك القاضي عادلاً في حكمه، أم أنه كان {جايب العيد}؟!
***
أمضيت قبل مدة إجازتي في منتجع جميل، ولفتت نظري امرأة كنت أشاهدها يوميًا وهي تسير على الشاطئ مع كلبها الصغير وقد ألبسته جزمة أطفال في قدميه دون يديه، وتجرأت وسألتها عن سبب ذلك، فارتابت من سؤالي أول الأمر، غير أنها أجابتني من خلف نظارتها الشمسية إجابة صاعقة لم أتوقعها، وذلك عندما سألتني: ولماذا أنت لم تلبس جزمة في يديك، وتركتني ومضت، فيما كان كلبها الملعون يلتفت نحوي ويحدجني بنظرات عدوانية.
***
أعرف عدة أصدقاء كانوا يسهرون كل ليلة في منزل أحدهم، ويلعبون الورق - أي (الكوتشينة) - حتى طلوع الفجر، ونادرًا ما كنت أذهب لهم. وإذا ذهبت، أمكث عندهم ساعة، ثم أغادر.
وقبل أيام، اتصل أحدهم بي تليفونيًا وهو يضحك، فسألته عن سبب ضحكه، فقال لي: إننا في الليلة البارحة، وقبل أن ننهي سهرتنا، طلب صاحب البيت من زوجته أن تبعث لنا ببعض الطعام كالعادة، وفوجئنا بها ترسل لنا مع عاملتها المنزلية بطبق كبير مغطى، وعندما كشفناه، إذا به ممتلئ بورق الكوتشينة وهو محمّر ومقلي بزيت الزيتون.
***
كنت أتناقش مع أحدهم في موضوع جاد، وطال نقاشنا، ولم يقنع أحدنا الآخر بوجهة نظره، وعندما ضاق هو ذرعًا بنقاشي، ما كان منه إلا أن يقول: إنك كالعادة على صواب، إلاّ في مسائل السياسة، والاجتماع، والدين، والمال، والاقتصاد، والأدب، والعلوم.
فسألته بغضب: إذن، بماذا أصيب؟ فأجابني: لا أريد أن أقول احترامًا للجالسين. وعندما كنا خارجين، سألته بيني وبينه: ماذا تقصد؟! فهمس بأذني: أستحي أن أقول.
***
أيام الدراسة في المرحلة المتوسطة، شكاني المدرس لمفتش الفصل وهو يشير لي قائلاً: إنه ليس أسوأ التلاميذ سلوكًا فحسب، ولكن المصيبة أنه أكثرهم مواظبة ولم يتغيب يومًا.
وكلمته الأخيرة هي التي {فرستني}، وما زالت {تفرسني} من ذلك الوقت حتى الآن.