حسين شبكشي
رجل أعمال سعودي، ومستشار اقتصادي لعدد من الشركات الخليجية الكبرى، وعضو مجلس إدارة ورئيس مجلس إدارة في عدد من الشركات السعودية والأجنبية. نشر العديد من المقالات في مجالات مختصة، وفي صحف ومجلات عامة في العالم العربي. اختير عام 1995 «أحد قادة الغد» من قبل «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس. أول رجل أعمال سعودي وخليجي ينضم إلى «منتدى أمير ويلز لقادة الأعمال».
TT

حلم الصين ورؤية السعودية!

لا يزال الحديث عن «رؤية المملكة 2030» في صدارة المواضيع المتداولة في السعودية، بل إن المشهد الأبرز في مهرجان الجنادرية الثقافي السنوي وضمن نشاطاته المتنوعة هذا العام كانت الندوة التي ناقشت الرؤية بحضور ثلاثة مسؤولين من العيار الثقيل. وكنت أحاول الوصول إلى فكرة المقارنة بالغير، أي هل هناك تجربة تحول حصلت في بلد آخر من الممكن إسقاطها على التجربة السعودية، فتذكرت «المعجزة» الصينية التي يرى العالم آثارها اليوم وبقوة. لعل هناك تاريخًا يجب تذكره ونحن نراجع المعجزة الصينية نفسها وهو تاريخ مفصلي ومهم جدًا وهو يوم 13 يوليو (تموز) 1999م. قبل هذا التاريخ المحوري عاشت الصين سنوات طويلة جدًا قضت فيها الثورة الثقافية الكبرى بقيادة ماو تسي تونغ وكتابه الأحمر وتعاليمه العجيبة على جيل كامل من الكفاءات والقدرات والأحلام الصينية. حتى بعد عصر الإصلاح والانفتاح الذي انطلق في سنة 1978 فإن المواهب المميزة التي أرسلت للتعليم خارج الصين كانت بشكل عام لا تعود وتفضل خيار الهجرة. وبات التشكيك هو سيد الموقف ولم يعد هناك أحد مقتنع بالمعجزة والحلم الذي يحاول أن يصنعه دينغ شياو بينغ وذلك بتفكيك وتحويل التنين الشيوعي إلى عملاق مولود من جديد يحترم قواعد السوق المفتوحة ولديه الإمكانيات والقدرة على الاندماج في النظام الاقتصادي العالمي، بل إنه حتى دينغ شياو بينغ لم يتوقع أن تتمكن سياساته وأحلامه من إيجاد التحول المطلوب قبل حلول عام 2028.
لكن شيئا ما حصل، فرجل الأعمال ومهندس الصفقات الاستثنائية بيتر بيب الذي كان يترأس شركة «تشاينا إنترنت كوربوريشن»، ومقرها هونغ كونغ، كان هو أول من لاحظ نضوج واستكمال الفكرة وحلم ومعجزة دينغ شياو بينغ، واستطاع أن يترجم ذلك بشكل عملي وواقعي من خلال طرح إحدى الشركات التابعة لشركته «تشاينا إنترنت كوربوريشن» (وهي شركة «تشاينا دوت كوم») في بورصة «ناسداك» العملاقة الأميركية المتخصصة في شركات الاقتصاد الرقمي الجديدة.
لقد كان يوم 13 يوليو أول يوم تداول للشركة في «ناسداك» أشبه بإعلان واضح بأن معجزة ورؤية دينغ شياو بينغ قد نضجت وأن غد الصين الجديد قد أزف وولد. ثم حلت مكافآت الحظوظ الأولى للميلاد الجديد والاندماج في النظام العالمي وقواعده لشركة «تشاينا دوت كوم» مذهلة جدًا، ففي اليوم الأول من التداول تحولت الشركة التي كان مبيعها السنوي لا يتجاوز الأربعة ملايين دولار حتى انتهت الجلسة الأولى في التداول لتكتشف أن قيمتها السوقية أصبحت 1.6 مليار دولار، ولم تكد تمضي تسعة أشهر على الإدراج حتى أصبحت القيمة نحو 5 مليارات دولار. وأيقظت هذه النتائج المهمة اهتمام الكفاءات الصينية المهاجرة وجعلتهم يتجهون للاستثمار في بلادهم والعودة إليها واستعادة الأمل في المستقبل.
لقد قدمت هذه التجربة درسًا عنيفًا لكل من شكك وقلل من أهمية الرؤى والأحلام والأصوات التي رفعت تكذب إمكانية الإنجاز والتحول، وأن ما كان يتم الإعداد له لم يكن سوى أوهام.
ما هي المكافأة الكبرى التي حصلت عليها من عودة الأمل وتحقيق الحلم والرؤية واستعادة الإيمان بالمستقبل؟ لقد استطاعت الصين أن تضاعف إجمالي إنتاجها المحلي في الفترة بين 2000 إلى 2016 سبع مرات أو تزيد قليلاً.
السعوديون لديهم رؤية مهمة وقد يشكك فيها قلة قليلة، وهو شيء مشابه لما مر به حلم دينغ شياو بينغ قبل ذلك في الصين، أما الثورة الثقافية المظلمة التي مرت بها الصين فتوازيها حقبة في السعودية ساهمت في خلق مناخ متشدد ومتطرف معاد لنفسه قبل أن يكون معاديا للآخر المختلف، وهاجرت منها النفوس والعقول وتولدت بيروقراطية في بعض الأجهزة، والعقول والكفاءات التي خرجت مبتعثة ها هي تستعد للعودة ولا بد أن يزرع فيها الأمل لكي تكون أدوات لتحقيق الرؤية الجديدة. ولعل طرح أرامكو للاكتتاب العام يصنع في الاقتصاد السعودي ما صنعه طرح شركة «تشاينا دوت كوم» في الاقتصاد الصيني.
التاريخ يكرر نفسه والتجارب وجدت للاستفادة والتعلم.