طارق الحميد
صحافي سعودي، عمل مراسلاً في واشنطن. تدرَّج في مناصب الصحيفة إلى أن أصبحَ رئيس تحرير «الشرق الأوسط» من 2004-2013، ورئيس تحرير مجلة «الرجل» سابقاً. محاضر دورات تدريبية في الإعلام، ومقدم برنامج تلفزيوني حواري، وكاتب سياسي في الصحيفة.
TT

هل تحاور السعودية إيران؟

للإجابة عن السؤال أعلاه، أقول ممكن، ولكن! ولشرح ذلك، فلا بد من فهم الدوافع الإيرانية لرغبة الحوار مع السعودية الآن، وكما تجلى في تصريحات وزير خارجية إيران محمد جواد ظريف الأخيرة حول جدوى التعاون السعودي - الإيراني في سوريا واليمن، وعلى غرار لبنان. وهذا التصريح بالطبع لا يعني مصداقية إيرانية، أو نضجًا، بل هو مؤشر على قلق إيراني من مرحلة الرئيس دونالد ترامب.
وهنا قد يقول قائل وما علاقة السعودية بذلك؟ الإجابة بسيطة جدًا، فلدينا حدث تاريخي لا بد من استحضاره الآن. ففي فترة الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون كانت واشنطن تضغط للحصول على تعاون سعودي يدين إيران في تفجيرات الخبر المتورطة بها إيران. حينها قررت طهران استخدام وجهها الإصلاحي، وهي لعبة قديمة متكررة، وسعت إلى مصالحة مع السعودية، وتم إبرام ما عرف وقتها باتفاقية «نايف - روحاني»، أي اتفاقية الأمير نايف بن عبد العزيز، رحمه الله، ولي عهد السعودية السابق ووزير الداخلية، مع رئيس استخبارات إيران حينها، والرئيس الحالي حسن روحاني، التي تتعهد إيران بموجبها بالتعاون مع السعودية، وتسليم المطلوبين، وعدم التدخل بالشؤون الداخلية للسعودية، والالتزام بحسن الجوار. وما إن تجاوزت إيران العاصفة الأميركية في حينها إلا وعادت إيران للعبتها القديمة، ومارست مزيدًا من التوغل في الدول العربية، والجهد الإيراني المخرب أمامنا اليوم لا يحتاج إلى سرد.
وعليه فإن تصريحات وزير الخارجية الإيراني ما هي إلا استكمال للحيل الإيرانية القديمة وذلك على أمل أن يبدد الحوار مع السعودية فرص أي تحالف سعودي، وبالتالي خليجي، مع أميركا ضد إيران، ومنح طهران فرصة للتعامل مع ترامب دون أي دور سعودي. هذه هي كل القصة ببساطة، ولها شواهد تاريخية. ولذا فإنه لا قطيعة في السياسة، ولا ضير من الحوار، والتفاوض، ولو عبر قنوات خلفية، لكن لا مكان لحسن النوايا في السياسة، خصوصًا مع إيران التي عليها أن تظهر جديتها، ومصداقيتها في الرغبة بالحوار، وذلك ليس بالتذكير بلبنان، بل بما هو أوضح. فإذا كان لدى إيران جدية، ومصداقية، فعليها التوقف تمامًا عن التدخل في اليمن، والبحرين، والشأن الداخلي السعودي. وعلى إيران وقف آلة القتل بسوريا، وسحب ميليشياتها الشيعية المسلحة من هناك، وعلى رأسها «حزب الله»، والأحزاب الإرهابية العراقية. وتورط إيران في سوريا لا يحتاج إلى دليل، خصوصًا أن الحرس الشخصي لبشار الأسد إيرانيون!
ولذا فإذا أرادت إيران الحوار فإن الكرة في ملعبها، وعليها أن تبدأ بالخطوات الجادة، وعدا ذلك فإن تصديق إيران ما هو إلا مضيعة للوقت، حيث شاهدنا سلوك إيران العدواني طوال السنوات العشر الماضية، وشاهدنا درجة الغرور التي بلغتها أواخر سنوات الرئيس الأميركي السابق أوباما، كما أن التاريخ علمنا الكثير حول الحيل الإيرانية، ولعبة الإصلاحيين والمتشددين. وبالتالي فإن على إيران نفسها أن تعود إلى محيطها الجغرافي. وتكف يد التخريب والتحريض بالمنطقة، اما عدا عن ذلك فعلى طهران مواجهة مصيرها القادم.