إميل أمين
كاتب مصري
TT

ماريان لوبان ودرب الشعبوية الأميركية

هل تمضي فرنسا في طريق الولايات المتحدة خلال الانتخابات الرئاسية الفرنسية في مايو (أيار) المقبل؟
علامة الاستفهام المتقدمة تصاعدت الأيام الماضية، بعد أن كشفت وسائل الإعلام الأميركية عن زيارة السيدة ماريان لوبان «برج ترامب» في نيويورك.
والشاهد أنه رغم نفي شون سبايسر المتحدث باسم فريق ترامب الانتقالي حدوث لقاء بين لوبان وترامب أو أي من فريقه، فإن الزيارة والمكان باتا يستدعيان هواجس وإرهاصات، لا سيما أن ما جرى في الانتخابات الرئاسية الأميركية قد أحدث ارتدادات لا يداريها أحد في أوروبا، وكأن الرئيس الجديد ترامب بدوره أضحى «أيقونة» لليمين الأوروبي، والتجربة الفرنسية على الأبواب عما قريب.
يبدو ترامب في عيني ماريان لوبان قدوة ومنهاجًا، وفي هذا الحديث لا إدانة أو شبهة إدانة، بل تقييم لتجربة سياسية أميركية جديدة، وقد تكون على غير ما هو متوقع، تجربة ناجحة، تذَكِّر الأميركيين والعالم برئاسة رونالد ريغان، والرفض الذي لاقاه في بدايات رئاسته عام 1981، وأنه قُدّر له لاحقًا أن يكتب اسمه في سجل القياصرة الأميركيين.
لم تخفِ ماريان لوبان فرحتها بفوز ترامب، ومن ورائها جميع المؤمنين بأفكار «الجبهة الوطنية اليمنية الفرنسية»، عطفًا على المؤيدين للاتجاهات الشعبوية في فرنسا، وهؤلاء بحسب استطلاع أجراه موقع «You Gov» بلغ عددهم 63 في المائة من سكان فرنسا، مع أن لوبان تحظى وفق الخبراء فقط بدعم 30 - 35 في المائة من سكان بلاد الغال.
لم يكن الفرنسيون يومًا من المعجبين بالنهج الأميركي، غير أن ذلك لم يمنع لوبان من أن تشذ عن القاعدة، وتندفع إلى القول: «إن الناس قد حطموا أغلال النظام الذي ربطهم بانتخاب ترامب، وفوز ترامب هو خير دليل على أنه إذا ما أراد الشعب شيئًا، فسيحققه».
حكمًا لقد جرت الرياح في الانتخابات الرئاسية الأميركية بما تشتهيه سفن لوبان، لكن هل يضمن فوز ترامب للمرشحة اليمينية الفرنسية فوزًا مشابهًا؟
هناك حالة من عدم اليقين في فرنسا اليوم، فقبل الثامن من نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي كان الفرنسيون يقطعون بأن «ترامب لن ينجح، وبالتالي لوبان لن تنجح»، في حين أن اليوم، وبحسب البروفسور هاورد ديفيز في تصريحاته لـ«بلومبيرغ»، أضحوا يسألون أنفسهم عما إذا كانوا متأكدين مما قالوه.
أوجه الاتفاق بين رؤى ترامب وتوجهاته واختيارات لوبان ومساراتها واضحة للعيان، فهي تسير على دربه تجاه إشكالية الهجرة واستقبال المهاجرين، وتشاركه كرجل أعمال قبل أن يضحى رئيسًا معتقداته تجاه الحمائية الاقتصادية لا سيما تجاه الصين، عطفًا على مناهضته للنخب السياسية التي أفسدت في تقديره الحياة السياسية الأميركية، ورفضه لجماعات الضغط باختلاف مِلَلِها ونحلها، ويجمع لوبان وترامب كذلك ميل واضح ناحية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الأمر الذي قد ينبئ بحلف يميني أوراسي.
على أن هناك ولا شك نقاط افتراق في التجربتين؛ فطبيعة الانتخابات الأميركية مرتبطة بفكرة المندوبين، في حين أن الفرنسيين يصوتون مباشرة لمرشحهم، وترامب مرشح جاء من خارج دائرة العمل السياسي بالمطلق، ما يجعل التساؤل حول «الروافع الأميركية»، التي دفعت به إلى البيت الأبيض سرًا أو جهرًا محلاً ومجالاً لتساؤلات دون إجابات، في حين ماريان لوبان مولودة في عمق أعماق عائلة حزبية وتباشر عملاً سياسيًا منذ أكثر من عقدين من الزمن.
ما هي فرص فوز ماريان لوبان بالرئاسة الفرنسية المقبلة؟
قد يكون من المبكر بعض الشيء التنبؤ أو التوقع، والجميع الآن يخشى من تجربة استطلاعات الرأي الأميركية التي أخفقت في تنبؤاتها وقطعت مبكرًا بفوز هيلاري، لكن الأجواء العامة في أوروبا تدعونا للحذر من الأحكام المسبقة غير الدقيقة.
المثير أن الصحافة الأميركية باتت مهتمة بالانتخابات الفرنسية بشكل يدعو للتأمل، فقد كتبت «نيويورك تايمز» قبل بضعة أسابيع تقول: «إن شعبية لوبان المتزايدة يومًا تلو الآخر، تعيد للأذهان حضور ممثليها في أجهزة السلطة في 11 مدينة فرنسية يحظى فيها حزب (الجبهة الوطنية) المعارض بشعبية مطلقة، وتنقل الصحيفة نفسها عن رئيس الوزراء السابق جان بيار رافاران ترجيحه لفوز لوبان، إذا ما خاضت انتخابات الرئاسة الفرنسية المقبلة».
من قبل كانت المقولة إنه «إذا بردت الولايات المتحدة أصيبت القارة الأوروبية العجوز بالزكام»... هل هذا ما نراه قائمًا وقادمًا الآن؟
الحقيقة التي لا مراء فيها هي أن الأوروبيين عامة، والفرنسيين على نحو خاص، أدركوا أن العولمة كانت خدعة كبرى، وقعوا فريستها، وجاءت موجات الهجرة لتستدعي من دفاتر الماضي مشاعر القوميات وأحاسيس الشعبويات، الأمر الذي دعا مارك ليونارد مدير المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية إلى القول: «إن أوروبا تواجه نسختها الخاصة من القومية الشعبوية... فهل يكون فوز لوبان بداية النهاية للاتحاد الأوروبي علي نحو خاص، إذ تقطع بأن خطواتها الأولى ستكون علي درب (الفريكست) الموازي لـ(البريكست)»؟