سليمان جودة
رئيس تحرير صحيفة «الوفد» السابق. كاتب العمود اليومي «خط أحمر» في صحيفة «المصري اليوم» منذ صدورها في 2004. عضو هيئة التحكيم في «جائزة البحرين للصحافة». حاصل على خمس جوائز في الصحافة؛ من بينها: «جائزة مصطفى أمين». أصدر سبعة كتب؛ من بينها: «شيء لا نراه» عن فكرة الأمل في حياة الإنسان، و«غضب الشيخ» عن فكرة الخرافة في حياة الإنسان أيضاً.
TT

رهان حذِر على الرجل... وهذه أسبابه

أراهن، ولكن بحذر شديد، على الأسماء التي يرشحها الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترامب، يومًا بعد يوم، لتتولى مواقع مسؤولية في إدارته.
أراهن بحذر شديد، لسببين؛ أحدهما يخصنا نحن هنا في منطقتنا العربية، والآخر يخصهم هناك، فيما وراء الأطلسي!
أما الذي يخصنا، فهو أننا يتعين علينا، أن نراهن على ما في أيدينا، وليس على ما في أيدي الآخرين.. فلقد راهنا على ما في أيديهم طويلاً، في الجانب الأميركي، ثم لم نرجع من ذلك الرهان بشيء!
وإذا أراد أحد دليلاً، فليراجع الرهان الذي كنا نعلقه على كل ساكن جديد في البيت الأبيض، فيما يخص قضية فلسطين، منذ الرئيس هاري ترومان، الذي صدر قرار التقسيم في عهده، في 29 نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1947، ثم قرار إنشاء دولة إسرائيل، في 15 مايو (أيار) 1948، إلى باراك أوباما، الذي كان قد وعدنا خيرًا، حول القضية نفسها، في خطابه في جامعة القاهرة، في يوليو (تموز) 2009، ثم ها هو يلملم أوراقه وأغراضه، ليغادر المكتب البيضاوي، بينما القضية على حالها تمامًا!.. وإذا شئنا الدقة، قلنا إن حالها قد ساء بعد 2009، عنه قبل ذلك العام، لأن العالم من حولها بالضرورة يتحرك!
أتمنى بصدق، أن يكون هذا المثال وحده، دافعًا لنا، إلى أن نراهن على شيء في أيدينا، نمسكه بها، وليس على شيء في يد أوباما، ولا في يد ترامب!
وأما السبب الذي يخص الطرف الآخر، فهو أن كون جيمس ماتيس، المرشح لوزارة الدفاع، مثلاً، من أهل التشدد تجاه إيران، وتجاه عبثها في المنطقة عمومًا، وفى الخليج خصوصًا، لا يعني أنه سوف يكون كذلك، عندما ينتقل من موقع التقاعد، حيث يجلس منذ فترة، إلى مقاعد الخدمة، إذا ما تم أمر ترشحه إلى آخره، وإذا ما تولى مسؤولية البنتاغون، بعد 20 يناير (كانون الثاني) المقبل.
عندي دليل آخر يسند كلامي، ويدعم معناه!
فلقد كانت هيلاري كلينتون، وقت بدء ثورات الربيع، تعيد تذكيرنا في كل حديث لها، بأنها كانت، وقت بدء تلك الثورات، مع أن يكون التغيير في القاهرة، على سبيل المثال، من داخل نظام مبارك الحاكم وقتها، لا من خارجه!
قالت ذلك مرارًا، وأعادته على مسامعنا تكرارًا، لعلنا نصدقها فيما كانت تريد أن تقوله!
وكانت في كل مرة تعيده، تنسى أن للناس ذاكرة مثلها، وأننا لا يمكن أن نصدقها، إذا ما اكتشفنا أنها تصرفت، كوزيرة للخارجية في إدارة أوباما، على عكس الأفكار التي كانت تقول لنا، إنها مقتنعة بها!
إن اقتناعها الحقيقي، بأفضلية التغيير من داخل النظام، على التغيير من خارجه، كان يقضي عليها بأن تصارح الرئيس أوباما، بعد فترة من عملها معه وزيرة للخارجية، بأن تطور الأحوال في مصر، بعد رحيل مبارك عن السلطة، يؤكد صدق نظرتها في البداية، وأنها من أجل ذلك، تفضل ترك موقعها في إدارته، لأنها لا يمكن أن تبقى لتطبق أفكارًا في الشرق الأوسط، على عكس ما أعلنت عنه، منذ اللحظة الأولى!
لقد كان حماسها لأن يكون التغيير من داخل نظام مبارك، في بدايات عام 2011، هو نفسه تقريبًا، حماسها لحكم الإخوان، من بعد مبارك، طوال عام كامل!.. هذا إذا لم نكتشف في لحظة من اللحظات، أن حماسها لحكم الإخوان كان أشد!
فكيف يتسق هذا مع ذاك؟!.. وكيف يمكن للإنسان، عندما يكون في موقع مسؤولية مثلها، أن يتحمس لنقيضين؟!
شيء من هذا، يجعلني أتطلع إلى ترشيح ماتيس، بالمزيد من الحذر!
إن المثل الشعبي في مصر يقول، إن على الذي يلسعه طبق الشوربة، أن ينفخ في طبق الزبادي، وما أصابنا من إدارة أوباما، قد تجاوز اللسعات، إلى اللدغات، بما يوجب علينا أن نترقب أداء إدارة ترامب في حذر، وأن نفتش في أوراقنا نحن، كعرب، عن شيء نراهن به، ويكون في أيدينا.. أما أوراقه، فهي في النهاية أوراقه، لا أوراقنا في كل الأحوال!