د. جبريل العبيدي
كاتب وباحث أكاديمي ليبي. أستاذ مشارك في جامعة بنغازي الليبية. مهتم بالكتابة في القضايا العربية والإسلامية، وكتب في الشأن السياسي الليبي والعربي في صحف عربية ومحلية؛ منها: جريدة «العرب» و«القدس العربي» و«الشرق الأوسط» اللندنية. صدرت له مجموعة كتب؛ منها: «رؤية الثورات العربية» عن «الدار المصرية اللبنانية»، و«الحقيقة المغيبة عن وزارة الثقافة الليبية»، و«ليبيا بين الفشل وأمل النهوض». وله مجموعة قصصية صدرت تحت عنوان «معاناة خديج»، وأخرى باسم «أيام دقيانوس».
TT

طرابلس العاصمة المختطفة

طرابلس تتساقط فيها القنابل والقذائف والرصاص بعد أن أصبحت مختطفة لدى ميليشيات مسلحة، تابعة لجماعات تكفيرية خصخصت العاصمة بينها، وتتصارع اليوم على النفوذ، في معركة كسر عظم ليست بمعزل عن دعم قوى أجنبية وإقليمية تسعى إلى تحسين موقفها في أي مفاوضات مقبلة بعد أن أصبح وشيكًا انهيار اتفاق الصخيرات في وجود وحكومة شرعية لاجئة خارج العاصمة، وأخرى استيقظت من سبات لشهور كثيرة محتلة للقصور الرئاسية ولا يعترف بها أحد، وثالثة جاءت على ظهر فرقاطة إيطالية، ولكنها بقيت حبيسة للقاعدة البحرية التي رست الفرقاطة فيها، وإن كانت تتلقى الدعم الأميركي والبريطاني، ويغيب الدعم الشعبي والتشريعي لها.
حرب الميليشيات في شوارع طرابلس أصبح رهينتها المواطن العادي وأحيانًا ضحيتها بين مختطَف أو قتيل بلا دية، كما هو حاصل للعاصمة طرابلس، التي تمطرها قذائف الميليشيات المتصارعة، حتى أصبحنا أقرب من تعريف الحرب الأهلية دون أن ندرك أننا دخلناها، كما قال الكاتب الأميركي توماس فريدمان «أثناء الحرب الأهلية اللبنانية، لم يدرك اللبنانيون أنهم في حرب أهلية إلا بعد سنتين...»..
البعض يتحدث بضجيج وجعجعة عن «منجزات» الثورة حتى انتهى به الأمر بالمتاجرة بدماء الليبيين، والنظر إلى الوطن أو جزء منه على أنه مجرد برميل للنفط، متى نضب ستنفك علاقته به، وعندما يصيب الوطن الضرر، سيتلمس بعضهم جواز سفره الأجنبي، فهم ليسوا في حاجة إلا إلى طائرة وجهتها الغرب، ويتركون هموم ليبيا الوطن لأهله.
أيضًا تجهل وربما تتجاهل «النخب» السياسية المبتدئة مفهوم المشاركة السياسية لشركاء الوطن، فتنظر لمن يطالب بحقه كمواطن في وطنه، على أنه عدو، ومن ثم يتم تخوينه أو حتى اغتياله جراء افتقار لأبسط قواعد العمل السياسي؛ فهم في الأصل نتاج مخرجات انتخابية سيئة في عمومها، وتم اختيار أصحابها بناء عن انبهار في برنامج تلفزيوني كمتحدث أثناء «الثورة» أو محاكاة مناطقية.
حدثت «ثورات» في بعض الدول العربية ومر عام تلو آخر دون أن يتحقق الكثير من «أهداف الثورة» التي يجهل الجميع بنودها، ويبقى السؤال: هل فعلاً تخلصنا من الفقر والظلم والفساد والديكتاتورية.. ونحن نشهد حكومات تذهب وحكومات تأتي، ومليارات تصرف ولا أحد يتحدث عن أوجه الصرف والحساب، إنما نشهد يوميًا زحف الشعوب من حين لآخر، في اعتصامات ومظاهرات يومية، تطالب بأساسيات الحياة الكريمة، بعد أن حلمت بالحرية والحياة الكريمة والعدل، أم أن الثورة لها مفهوم عربي مختلف عن باقي العالم لم يحقق شيئًا للإنسان قبل المواطن!
الوطن ليس حكرًا على فئة أو جماعة تختزله وتصادره أو حتى تخصخصه لصالحها؛ فالوطن ليس عقارًا، أو كعكة يسعى البعض للاستحواذ عليها من دون الآخرين؛ فالوطن بثورة أو من دونها لا يمكن له إلا أن يكون وعاءً آمنًا للجميع، وفيه يتحقق الأمان، فإن تحول إلى أرض الخوف والرعب والاغتيال والقتل والنهب، تحت أي مسببات، يصبح مفرغًا من معناه الحقيقي، ويصبح المواطن فيه مغتربًا تطارده الهموم والأوجاع.. وفي ظل نظر بعض المسؤولين إلى الوطن على أنه مجرد برميل نفط ومحطة ترانزيت أو غنيمة، وتختفي فيه جميع الثوابت وتنهار القيم، حينئذ يحق قول أفلاطون «الثمن الذي يدفعه الطيبون لقاء لا مبالاتهم بالشؤون العامة هو أن يحكمهم الأشرار».