محمد مصطفى أبو شامة
كاتب وصحافي مصري
TT

السيسي والشباب.. و«الحالمون بالغد»

التفكير في المستقبل وسط «إحباطات» الحاضر ومشكلاته «جبروت» سياسي لا تقوى عليه إلا دولة بقدر مصر، بعمقها الحضاري وكنزها البشري المتمثل في زهرة شبابها.
حلَّقت مصر بأحلامها المستقبلية الصادقة في سماء مدينة شرم الشيخ، ومنها إلى كل أرجاء المحروسة، بفعل مؤتمر الشباب الأول (أكتوبر 2016)، الذي أيقظ آمالاً ماتت بداخلنا، وأشعل حماسة وطنية كانت قد خَفَتَ وهجها وكادت تنطفئ.
عايشت خلال العشرين عامًا الماضية مئات الأحداث والفعاليات والمؤتمرات التي تاجرت بالشباب وقضيتهم، وسرقت أدوارهم وأمنياتهم، ولعل أبرزها ثورة الشباب في 25 يناير 2011. أما مؤتمر شرم الشيخ فقد خيب توقعاتي المسبقة، التي كانت حاجزًا نفسيًّا منعني من السفر لحضوره والمشاركة في التغطية الصحفية لفعالياته، فهربت في اللحظة الأخيرة ظنًّا أنه لن يختلف عن كل فعالياتنا «الوطنية».
وأصدقكم القول إنني قبل بدء فعاليات المؤتمر بدقائق، لم يكن لدي أدنى قدرة أو رغبة في متابعته، لكن شيئًا ما جذبني عندما طالعت وجوه المشاركين في الجلسة الافتتاحية، لمحت بريق الحلم في كثير من العيون، طاقة من التفاؤل ظلَّلَتْ مكان انعقاد المؤتمر وتسرَّبَتْ خلال أيامه الثلاثة إلى نفوس المصريين، رغم كل ما رافقه من جدل وآراء حتى التي لاحقت عفوية الرئيس المصري.
ويكمن سر نجاح هذا المؤتمر، في أنه أصدق حالات «العصف الذهني» السياسي التي تمت بين الشعب والدولة في كل تاريخ مصر الحديث، حالة تفكير (بصوت عالٍ) داخل الوجدان المصري بكل أطرافه، ومعظم فئاته، وأغلب تياراته السياسية، وعلى الهواء مباشرة، ودون تدخل «مقص الرقيب»، وهو ما منحه هذه الطاقة السحرية من المصداقية والتأثير، وقد اختتمه الرئيس بحزمة توصيات أثلجت الصدور وعبَّرَت بشكل أكثر وضوحًا وتحديدًا عن كل ما دار في جلسات وفعاليات المؤتمر الوطني للشباب.
ولعل أهم ما قدمه لي هذا الحدث الفريد، الذي تابعته بشغف حقيقي، أنه أعاد إلى ذاكرتي تجارب مهمة طواها النسيان بفعل الزمن وعوامل إحباط ويأس يدركها كل من اهتموا بالشأن العام، وشاركوا في العمل العام خلال العقد الأول من الألفية الثالثة (مرحلة ما بعد ظهور جمال مبارك).
تتابع أمام عيني شريط الذكريات أيام ما كنت منتميا للحركة الشبابية المصرية عام 1992 أثناء دراستي الجامعية.
وكان مسك ختام رحلتي مشروع «الحالمون بالغد»، الذي أظنه من أبرز التجارب الوطنية نضجًا في تاريخ العمل الشبابي الأهلي (غير الحكومي)، وعقد «الحالمون بالغد» مؤتمرهم الأول في 24 سبتمبر 1998، تحت عنوان «مساحة للتنوير ودعوة للتغير»، واستغرقت الجلسات التحضيرية ثلاثة أشهر متصلة تخللتها 100 ورشة عمل بمشاركة 400 شاب وفتاة، وقدم هذا المؤتمر وثيقة رائدة وغير مسبوقة في مجال التنمية الشبابية، صاغها نخبة من كوادر الحركة الشبابية المصرية في التسعينات (أفخر بأنني كنتُ منهم) يقودهم رائد حقيقي من رواد الإصلاح في مصر، هو الدكتور حسام بدراوي.
و«الحالمون بالغد».. جمعية أهلية للتنمية الشبابية.. عرَّف شبابها أنفسهم في وثيقة مؤتمرهم الأول بأنهم حركة ليبرالية شبابية تدعو إلى دعم المجتمع الحر لبناء مستقبل أفضل من خلال تنمية العمل الأهلي (غير الحكومي)، ومن أهداف مؤتمرهم الأول (سبتمبر 1998): تحفيز الرأي العام وتنشيطه فيما يتعلق بقضايا الشباب وتأكيد أهمية دورهم في صنع القرار، وإدارة الحوار بين اتجاهات الشباب المختلفة لتعميق فكرة الديمقراطية كمنهج حياة، وأخيرًا الخروج بمجموعة من المشروعات لتفعيل المشاركة الإيجابية للشباب ودعوة المؤسسات المدنية لرعايتها.
وطرح مؤتمر «الحالمون» تصوُّرًا محددًا في 10 محاور توضح آليات العمل والتحرك لتحقيق التنمية الشبابية، أضعه أمام كل المهتمين ليدركوا أن حركة الشباب فعل متصل.. لا ينقطع إبداعه.
وكانت عناوين المحاور بإيجاز:
1- اكتشاف الذات والتواصل مع الآخر المختلف.
2- تأثير التعليم غير التقليدي على التنمية الشبابية.
3- تخطيط الحياة العملية للشباب بين المنهج والأسلوب.
4- الزواج بين تراكم الموروث ومشكلات الواقع.
5- الديمقراطية كمنهج حياة.. رؤية متجددة.
6- تحديات العمل الجماعي في إطار منظومة القطاع الأهلي.
7 - تجديد ثقافة الشباب.. نحو بناء نخبة مستقبلية مبدعة وفاعلة.
8- البحث عن رؤية جديدة لتفعيل مشاركة الشباب في الحياة السياسية.
9- دور شباب المسلمين والأقباط في دعم النسيج الوطني.
10- المجتمع العلمي وغياب متطلبات القرن الجديد.
لا شك أن الدولة المصرية بذلت جهدًا مضنيًا خلال العامين الماضيين، لتقترب من الشباب وتستوعب حركتهم وتستثمر طاقتهم، ولعل «البرنامج الرئاسي لتأهيل الشباب للقيادة» خير دليل على ذلك، لكنها جهود لن تحقق كل الطموحات لو لم يتم تشجيع منظمات العمل المدني (غير الحكومية) على المشاركة الفعالة، ودعمها بكل السبل الممكنة. إن الشباب بقدر ما هم ثروة بشرية، هم أيضًا قنبلة موقوتة، وعلى الدولة والمجتمع بكامل مؤسساتهما التعامل الجاد والمستمر معهم.
وأخيرًا.. استوقفتني مفارقة أن الدكتور كمال الجنزوري (83 عامًا) أبرز الحضور في الصفوف الأولى بجوار الرئيس السيسي في مؤتمر الشباب بشرم الشيخ 2016، حيث كان هو راعيَ مؤتمر شباب «الحالمون بالغد» الأول (1998)، عندما كان رئيسًا لوزراء مصر، وبين التاريخين مسافة زمنية تقترب من العقدين.
عقدان ومؤتمران وثورتان وبينهما جِيلان، أصبح من اللازم أن يكون بينهما جسر متين ليتقاربا عليه، وتلتحم الأحلام بالخبرات ليخلقا زخمًا فكريًّا وحركيًّا يثري مسيرة العمل العام في مصر.. ويضمن لها بصيصًا من الأمل في مستقبل أكثر تفاؤلاً.