إميل أمين
كاتب مصري
TT

التزوير.. شفق الديمقراطية الأميركية

هل أميركا على موعد مع حلول الظلام حتى لو فاز أبناء النور بالانتخابات الرئاسية المقبلة؟
المراقبون يرون أن ترامب ومن لفّ لفه من ملايين الأميركيين هم أبناء ظلام اليمين الغارق في الكراهية، الملتحف بالعصبية ورفض الآخر، أما أبناء النور فهم الديمقراطيون، وعلى رأسهم هيلاري كلينتون المقنعة بقناع أرستقراطي يتخفى وراء دبلوماسية سوداء وعنصرية تسعى للسيطرة على مقادير واستقلال الأمم والشعوب.
عشية المناظرة الثالثة بين المرشحين؛ الديمقراطية هيلاري كلينتون والجمهوري دونالد ترامب، شعر الأميركيون بعمق المأساة التي آلت إليها الأوضاع في البلاد، فالمرشح الجمهوري غير مستعد مبدئيًا للاعتراف بنتائج الانتخابات المقبلة في الثامن من نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، وعنده أن التزوير لصالح هيلاري كلينتون أمر وارد بقوة.
هل تصريحات ترامب تنبؤات تحقق ذاتها بذاتها، بمعنى أنه يدرك هزيمته المقبلة مسبقًا، ولهذا يحاول إثارة أكبر حجم من الغبار؟ أم أن أحاديثه لها نصيب من الصحة، سواء بطريق مباشر أو غير مباشر؟
المتابعون لوسائل الإعلام الأميركية لاحظوا الحملة العنيفة التي شنتها الصحف المقربة من البيت الأبيض، وتحديدًا «الواشنطن بوست»، التي أسهبت في شرح الأسباب الكامنة وراء استحالة حدوث تلاعب في الانتخابات، ذلك أن تزويرًا على مستوى الاتحاد يتطلب تواطؤًا كبيرًا جدًا، يقصم ظهر الديمقراطية الأميركية الغناء، لا سيما أن عملية التصويت متعددة الخطوات، وتتسم بالشفافية والانفتاح، ووجود المراقبين من كلا الحزبين، لمراقبة كل خطوة من خطوات العملية الانتخابية.
غير أن المفاجأة الحقيقية هي أن أكثر من نصف الأميركيين باتوا يتوقعون حصول تزوير في الانتخابات المقبلة، مما يعني أن المسألة باتت تتجاوز إشكالية التزوير إلى معضلة الديمقراطية الموثوقة، فهل دخلت واشنطن «شفق الديمقراطية»؟
نهار الجمعة الحادي والعشرين من أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، كانت وكالة «رويترز/ إبسوس» تنشر نتائج استطلاع رأي جرى، بشأن مسألة التزوير واحتمالاتها، وقد جاءت المفاجأة صادمة بالفعل، فنصف الجمهوريين فقط قالوا إنهم سيقبلون هيلاري كلينتون في البيت الأبيض، بينما 70 في المائة قالوا إنها لو فازت سيكون بسبب تصويت غير قانوني أو تزوير.
أما الديمقراطيون فقد قال سبعة من كل عشرة منهم إنهم سيقبلون بفوز ترامب، وقال أقل من 50 في المائة إنهم سينسبون انتصاره إلى تصويت غير قانوني أو تزوير.
لماذا هذه الثقة المهزوزة في البلاد بين الجانبين؟
يستطيع الرسميون أن يحاججوا نظريًا بنزاهة وشفافية الانتخابات الأميركية، غير أن الواقع يفيد بعكس ذلك بطريق مباشر بداية، والدليل معركة الرئاسة عام 2000 وإشكالية أصوات فلوريدا التي تدور حولها الشكوك حتى الساعة، والتي أوصلت بوش الابن إلى البيت الأبيض بفارق 600 صوت بينهم من أصوات المغتربين، عطفًا على مشكلات أخرى ظاهرية تم التلاعب بها في فلوريدا التي كان يحكمها «جيب بوش» الابن الأصغر لبوش الأب، أدت إلى استبعاد ألف صوت، قيل إنها شابتها مخالفات إجرائية في أسلوب التصويت، من بينها وضع طوابع محلية، بدلاً من الطوابع الخارجية على المظاريف، أو عدم وجود توقيع لشاهد، يثبت فيه أن التصويت تم بصورة قانونية.
الطريق غير المباشر للتزوير، يزعزع أركان الدمقرطة الأميركية، ذلك أنه إن كانت القاعدة الشهيرة «أنت تهدد بقدر ما تحدد»، فإنه في عالم الانتخابات الرئاسية الأميركية، أنت مرشح رائج وناجح، بقدر الملايين والمليارات التي تجمعها لحملتك، وتنفقها على الوصول إلى الناخبين، ولا يهم مصدر تلك الأموال أو حجمها، ولا الولاءات التي تترتب عليها، والعمل لصالح جماعات بعينها بعد الدخول إلى البيت الأبيض، وهو ما لفتت إليه وثائق «ويكيليكس» حول العلاقة بين «بوديستا» مدير حملة هيلاري، وأساطين المال في «وول ستريت»، عطفًا على وجود شقيقه في المنتصف.
التزوير الذي يتناوله ترامب بـ«ديماجوجية» واقع بالفعل، وقد أفقدته قلة خبرته السياسية إمكانية بلورة الأمر كقضية حقيقية وواقع مؤلم على أرض «أم الديمقراطيات»، أنها أفضل ديمقراطية يمكن شراؤها بالمال، ففي مقابل مائة ألف دولار تبرع للرئيس، أي رئيس يمكنك أن تقضي الليل في جناح «إبراهام لنكولن»، وتناول طعام الإفطار أنت وزوجتك مع الرئيس.. التبرع هو القصة وهو القضية.
في كل الأحوال يمكن القطع بأن نتائج استطلاع «رويترز» توضح حالة فساد النظام السياسي الأميركي وقناعات المواطنين بأن النخبة السياسية الأميركية تحولت من «نخبوية» إلى «نهبوية»، بما لا يختلف كثيرًا عن دول العالم الثالث.
من المبكر التساؤل: «هل تداعيات اتهامات ترامب ستقود المجتمع الأميركي إلى أزمة عنف واحتجاجات ونزول إلى الشوارع؟ هناك احتقان عرقي لا ينكره أحد في البلاد، وهناك تفاوت طبقي هائل، وأصوات انفصالية وانعزالية في طول البلاد وعرضها، عطفًا على المدّ اليميني العنصري لدى البيض، والحاجة فقط إلى عود الثقاب لإشعال أزمة غير مسبوقة».
ربما عن غير قصد يقود ترامب وهيلاري الولايات المتحدة إلى نهايات زمن الأفول الإمبراطوري، عبر خطابهما الانتخابي الذي تهاوى من معارج الفضيلة إلى منزلقات الموثوقية الديمقراطية، واللا أخلاقية الأدبية والأمنية.
التزوير على طريقة الديمقراطية الأميركية وارد ومتاح بل ومباح، لا سيما إذا كانت ديمقراطية المال والجاه، التآمر والشللية ناهيك عن الوعود الكاذبة.